لا غالب ولا مغلوب حتى بعد كارثة بيروت
لا غالب ولا مغلوب حتى بعد كارثة بيروتلا غالب ولا مغلوب حتى بعد كارثة بيروت

لا غالب ولا مغلوب حتى بعد كارثة بيروت

تاج الدين عبد الحق

على قاعدة "لا غالب ولا مغلوب" يتجه اللبنانيون إلى معالجة الآثار المدمرة، التي خلفها انفجار مرفأ بيروت، بحل سياسي من جنس هذه الوصفة الشعبية، التي لم يملّ اللبنانيون من اللجوء إليها، كلما استعصت أمامهم الحلول، أو تكالبت عليهم النكبات.

استقالة حكومة الرئيس دياب نظريًا، أو إقالتها عمليًا، بعد أن كانت هدف الغاضبين في الشوارع، لم يجف حبرها، حتى بدأ الحديث عن حكومة توافق جديدة، برئاسة الرئيس المخضرم سعد الحريري، أو الوجه الجديد، نواف سلام، على أن تضم في عضويتها وجوهًا من التركيبة السياسية نفسها، التي شُكلت منها كل الحكومات السابقة، منذ انتهاء الحرب الأهلية التي استمرت عقدين، وحتى الحكومة المستقيلة، أو المقالة.

اتفاق الطائف الذي صاغه الأفرقاء اللبنانيون منذ التسعينيات، باعتباره حلا لمشاكلهم المزمنة، ومخرجًا لخلافاتهم الطائفية والحزبية، اكتشف الغاضبون في الشارع والساحات مع استفحال المصاعب التي يواجهونها في حياتهم اليومية، أنه المشكلة والحل، وهو ليس أكثر من وصفة لاقتسام مغانم الحرب، وتوزيع المناصب، وتوريث الألقاب، ضمن صيغة محاصصة طائفية وسياسية، لم تأخذ بعين الاعتبار فقط، المحاصصة التقليدية بين المكونات الاجتماعية والطائفية الداخلية، بل والتوازنات الخارجية والارتباطات الإقليمية أيضًا.

عندما انفجر الشارع في 17 أكتوبر تشرين الثاني من العام الماضي، بدا أن اللبنانيين قد فاض الكيل بهم، وأن الحلول التوفيقية لم تعد ممكنة، وأن الوجع الشعبي لم تعد تنفعه المسكنات السياسية، أيًا كانت صيغتها، ومهما اختلفت أشكالها وتعددت مصادرها.

تفتقت عقلية الزعامات السياسية، وهم يواجهون شعار ثورة تشرين "كلن"، بطرح فكرة حكومة التكنوقراط غير السياسية، لنكتشف بعد أسابيع من التشكيل الذي ترأسه الأكاديمي اللبناني، حسان دياب، أن ذاك التشكيل سياسي بامتياز، وأن الألقاب العلمية، التي حملها أعضاء الحكومة، ما هي إلا ذر للرماد في العيون، وواجهة للمحاصصة السياسية والطائفية، التي كانت تُنتج الحكومات السابقة.

اليوم، وبعد استقالة حكومة حسان دياب، يعود اللبنانيون للمربع الأول، ويطرحون المطالب نفسها، التي عطلت حياتهم سنوات، وتسببت بإهدار مواردهم، قبل أن تتحول إلى كارثة تحصد مئات الأرواح، وتأتي على ما تبقى من موارد الملايين في مختلف المناطق اللبنانية.

واستقالة الحكومة، واستقالة المجلس النيابي، في ظل المعادلة السياسية الحاكمة للبنان، لن تقدم حلا، حتى لو كانت هذه الاستقالة تعبيرا عن مطالب الشارع المكلوم الغاضب.

من يمسك بمفاتيح الحل، هو الذي يتسبب بالمشكلة، ولا يوجد في الأفق، ما يمكن أن يغير هذه المعادلة المستحيلة، فالفساد الذي نخر في الحياة السياسية اللبنانية، يأخذ شكل حقوق مكتسبة، يصعب على الطاقم السياسي الحالي التنازل عنها، أو هي استحقاقات لا يستطيعون إدانة أنفسهم بها.
ولذلك، فإن اللبنانيين أصبحوا دون خيار منهم، رهينة لدى هذا الطاقم الذي يمسك بيده مفاتيح الحل الدستوري، ومفاتيح الحلول السياسية، والتي يوظفها على مقاس مصالحه الحزبية، والفئوية، واعتباراته الشخصية، والطائفية.

هذه المعادلة الحاكمة، تجعل مطالب الشارع أشبه بصرخة في وادٍ أصم، لا تسمع إلا ممن يطلقها، فيما يصمّ أطراف المعادلة آذانهم عنها، وينصرفون لاجتراح سيناريو جديد، يعيد إنتاج الحل القديم.

الكارثة التي حلت ببيروت من جرّاء انفجار المرفأ، قد تجعل مهمة الطاقم السياسي، مهمة أصعب وأعقد، لكن من هم في عداد هذا الطاقم، يظلون بوابة الخروج، التي لا بديل عنها، ولا مناص منها، وتسابُق الوزراء والنواب على تقديم استقالاتهم، هو أقرب للمسرحية المعروفة، ولا تعدو أن تكون نوعا من إبراء الذمة ومحاولة لتبييض الصفحة، استعدادا لجولة جديدة، يعرف الجميع أن قواعدها معروفة ونتائجها محسوبة.

أما الذين يراهنون على حل إقليمي أو توافق دولي؛ لفرض توافقات محلية، فهم حالمون – حتى لا نقول واهمون - فالتوافق الخارجي والحلول الإقليمية، أكثر تعقيدا، وهي بآليات عملها لا تتناسب مع مشاكل لبنان، وحاجته إلى حلول سريعة فقط، بل إنها لا تبدو ممكنة في ظل حالة الاستعصاء التي تمر بها المنطقة، على كل الصعد السياسية، والاقتصادية، والنفسية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com