المملكة والنفط وصناعة التاريخ
المملكة والنفط وصناعة التاريخالمملكة والنفط وصناعة التاريخ

المملكة والنفط وصناعة التاريخ

إميل أمين

كيف يصف المرء دور المملكة العربية السعودية الأخير، والذي قاده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وشارك في رسم ملامحه ومعالمه بجسارة إيجابية تحسب له، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، على صعيد قضية إنتاج النفط حول العالم؟
حكماً إنها عملية إعادة صناعة التاريخ، ولا سيما في هذا الوقت المضطرب إلى أبعد حد ومد، حيث جائحة «كورونا» تضرب العالم، وعجلة الإنتاج العالمي تكاد تتوقف، عطفاً على توقف حركة السفر حول العالم، وبالتالي انخفاض الطلب على النفط؛ ما أدى إلى تراجع أسعاره بشكل غير مسبوق.
أسفرت قرارات المملكة الأخيرة وشراكتها الناجعة مع القوى الكبرى في إطار «أوبك بلس»، عن اتفاقية لتخفيض الإنتاج العالمي إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً؛ الأمر الذي يعيد إلى أسعار النفط العالمية حالة الاتزان التي اختلت الأسابيع القليلة الماضية.
رغم توجه المملكة العربية السعودية الأصيل نحو السلام وبناء المجتمعات الآمنة، فإن هذا لا يمنعنا من القول إن قيادة المملكة تجيد خوض المعارك حال اعترضت مسارها الوطني، والمعارك ليست دائماً عسكرية، يختلط فيها البارود بالدماء، ذلك أن هناك الكثير منها يحتاج إلى قدرات تفاوضية، وحكمة دبلوماسية، يصل مداها إلى ما وراء مدى نيران المدافع، وقد كانت معركة النفط الأخيرة واحدة منها.
حين قال بعض الخبراء، إن النفط يحرك العالم، فإنهم لم يتجاوزوا الحقيقة في واقع الحال، وقد بين المشهد الأخير أن النفط لا يزال القوة الفاعلة في صناعة الحضارة المعاصرة، ولا سيما في شكله الآني، ومن هنا سوف يجد العالم برمته نفسه مرة أخرى يولي وجهه شطر المملكة، بعد أن أعادت التأكيد على ريادتها وسيادتها على هذا الصعيد.
جزئية مهمة في هذه المعركة التي نحن بصددها، وتلفت النظر إلى أن المملكة لا تخوض معاركها بملمح أو ملمس براغماتي ذرائعي نفعي، مجرد من الأخلاقيات أو بمعزل عن المبادئ، ففي الاتفاقية الأخيرة، بدت واعية ومحافظة على منافع ومصالح بقية الأطراف الدولية، إيماناً واحتساباً بأن البشرية تعيش مأزقاً غير مسبوق، وتواجه عدواً غير مرئي؛ ولهذا فإنها أظهرت أعلى درجة من درجات التضامن الإنساني العالي والراقي؛ ولهذا فإننا حين نقول إن السعودية أعادت الزخم إلى عجلة إنتاج النفط العالمي، فإننا لا نماري أو نغالي أو نتجاوز الحقيقة.
يبقى من الطبيعي جداً الإشارة إلى أن العالم برمته ينظر الآن إلى توجهات المملكة التي أدت للوصول إلى هذا الاتفاق، نظرة ملؤها الاحترام الفائق والتقدير المتصل، فقد ساعدت بدرجة هائلة في تأمين استقرار حالة الاقتصاد العالمي.
خذ إليك على سبيل المثال ما أشار إليه الرئيس الأميركي دونالد ترمب عبر تغريدة من تغريداته الشهيرة، غداة التوقيع على الاتفاق، الذي وصفه بأنه «عظيم، وسيصون الآلاف من الوظائف في قطاع الطاقة في الولايات المتحدة»، وقد وجه الشكر الجزيل لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في هذا الإطار.
معركة المملكة الأخيرة في ميادين آبار النفط وإنتاجه، تشير إلى أن هناك قولاً وفعلاً رؤية سعودية استشرافية على درجة عالية من الحكمة والحنكة، رؤية يقوم عليها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويدير دفتها باقتدار، وهذا ما لفت إليه وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، الذي أشار إلى أن ولي العهد الأمير محمد، قاد خلال الأسابيع الماضية الكثير من مفاوضات خفض إنتاج النفط.
استطاعت المملكة أن تحقق نصراً مؤزراً في هذه المعركة، فبعد أن كانت تطلب تخفيضاً لا يتجاوز 1.5 مليون برميل يومياً، ها هو التخفيض اليوم يتجاوز عشرة ملايين برميل؛ ما يعني ارتفاعاً في أسعار المعروض في الأسواق الدولية، وإعادة تقويم حالة الاقتصاد الأممي.
تأثير المملكة اليوم يمتد إلى منتجي النفط خارج «أوبك»، والذين وافقوا على خفض الإنتاج؛ ما يعني انتصاراً سعودياً مزدوجاً اقتصادياً ودبلوماسياً... الاستثنائيون هم مَن يصنعون التاريخ.

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com