«الإنسان أولاً».. برنامج عمل دائم
«الإنسان أولاً».. برنامج عمل دائم«الإنسان أولاً».. برنامج عمل دائم

«الإنسان أولاً».. برنامج عمل دائم

عبدالوهاب بدرخان

لم يكن هذا الشعار غائباً عن الأذهان أو عن نهوج الدول، لكن «الإنسان أولاً» بدا في قمة مجموعة الدول العشرين، وهي الأولى الافتراضية في التاريخ، كردٍّ على السؤال الأهم الذي طرحته جائحة كورونا، وكإدراك على أعلى مستوى بأن الإنسان يبقى الرأسمال الأكبر ويتوجّب تسخير كل الإمكانات للحفاظ عليه وحماية صحّته.

الطرق المقفرة والتجمعات المحظورة والعمل من البيت والمطارات المغلقة والموانئ الساكنة والبورصات المعطلة.. كلّها من متطلبات الوقاية، لكنها مؤشرات مبكرة لركود سيصعّب عبور المحنة بأقلّ الخسائر البشرية والتعامل مع تداعياتها بأقلّ الصعوبات. العالم مجمع على الامتنان والتقدير لجهود الطواقم الطبية وبطولاتها على «خط الدفاع الأول» في المعركة، كما يحدث للجيوش في أوقات الحرب.

وبقدر ما أن الأبصار منشدّة إلى أولئك الذين يؤمل خروج اللقاح من مختبراتهم، ولو بعد سنة أو أكثر، بقد ما كان هناك ترقّب للاستجابة الدولية للوباء الذي تحدّى لتوّه كبريات الدول في عالم متقدّم طبّياً وعلمياً. لذلك مثّل البيان الختامي لقمة الـ20، بتفاصيله وقراراته، الإحاطة الأولى من نوعها لانعكاسات الفيروس على حياة الشعوب كافةً ولما تستطيعه الدول الأغنى وما تعتزمه تصدّياً له.

كانت الأولويات واضحة: حماية الأرواح والحفاظ على الوظائف، واستعادة الثقة في الاستقرار المالي، وإنعاش النمو وتقليل الاضطرابات في التجارة والإمداد، وتقديم المساعدة لكل الدول المحتاجة.. لذلك جاءت الإجراءات مناسبة ومفتوحة أي قابلة للتطوير خلال التنفيذ والمتابعة، كما جاء التعهّد بخمسة تريليونات دولار مطابقاً للتقديرات المتداولة منذ أسابيع، مع اهتمام أولي بتمويل عاجل لكل ما يتعلّق بتعزيز الأنظمة الصحّية العالمية بهدف احتواء الجائحة. فأينما كان انكشف النقص في التجهيزات والكوادر، وحتى في البنية التحتية الصحية كونها أنشئت للتعامل مع أوضاع عادية وجعلتها الجائحة غير كافية.

استطاعت قمة الـ20 أن تضخّ أيضاً جرعة معنويات كان لابدّ منها، فقبلها كان الإحباط هائلاً كما لو أن العالم المصدوم تُرك لمصير مجهول، لا الأفراد يعرفون ولا الحكومات والشركات تعرف ما الذي ستكون عليه الحال بعد انحسار إعصار «كورونا». وعدا عن الاهتمام باستقرار الاقتصادات ومنع انهيارها في المدى المنظور، خصوصاً في الدول المأزومة، استوعبت القمة الدرس الأول للجائحة بالتزامها مستقبلاً «تعزيز القدرات الوطنية والإقليمية والدولية لمواجهة التفشّي المحتمل للأمراض المعدية»، بالإضافة إلى«زيادة التمويل للبحث والتطوير في مجال اللقاحات والأدوية».

وبطبيعة الحال هذه مهمات وأعباء لا تقع على عاتق دولة واحدة، لكن تنفيذها ونجاحها يتوقفان على استعداد جماعي للالتزام من دون أي تأخير. ويفترض في التعهّدات المتخذة أن تحول دون تصاعد «الحمائية» التي تثير مخاوف من تلاشي الاقتصاد المعولم قبل ظهور بديله الانتقالي الذي يحافظ على إيجابيات العولمة وتسليط الضوء على أبعادها الإنسانية التي سُحقت تحت عجلات التنافس الصناعي والتجاري.

ربما تلوح الآن فرصة لإعادة الاعتبار لحياة الإنسان ولو بثمن بشري باهظ، لكن يستحيل تخطّي المحنة الراهنة بالانكفاء الحمائي أو من دون إعادة النظر في المفهوم السائد للعولمة، ولعل هذا جوهر ما ذهبت إليه الدول العشرون. ولابدّ أن يسري شعار «الإنسان أولاً» على اللاجئين والمهجّرين، وهو ما نوّهت به القمة، لكن مصداقيته لا تكتمل إلا بوقف الصراعات المسلحة التي تستمر في زمن كورونا.

الاتحاد

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com