ضربات الخديعة.. وجهان لقرصان واحد
ضربات الخديعة.. وجهان لقرصان واحدضربات الخديعة.. وجهان لقرصان واحد

ضربات الخديعة.. وجهان لقرصان واحد

زهير قصيباتي

الحالم بتاريخ مضى ما زال يستنهض رياحا قومية، متسلحا كالمرشد بـ”مؤامرات” لا تنتهي كلما سعى إلى تحديث مشروع قضم ما يمكنه من خرائط. القرصان واحد، وجهاه الزعيم الأول لأصولية شيعية، تلطّت تحت رداء الدفاع عن المحرومين… وسلطان على خطاه لعب على أوتار أصولية سنّية، لستر مشروع نبش قبور التاريخ ولو كلف دماء غزيرة هي أيضا عربية.

الأول قاوم “المؤامرات” بمحور غذّاه بأموال إيرانية وعراقية وبدماء عراقية وسورية ولبنانية وفلسطينية ويمنية. الثاني على خطاه اقتحم خرائط عربية ليقتطع حصة، منذ أعطى الرئيس الأميركي دونالد ترامب أول شارة على رغبته في استبدال سياسة العصا الغليظة وتدخل القوة الساحقة بنهج العقوبات المريرة لـ”المشاكسين”.

المفارقة اليوم أن طهران وأنقرة تفقدان تدريجيا ثغرة الدفرسوار الأوروبية التي افترقت طويلا عن نهج ما يعتبره ترامب واقعية حميدة في السياسة الخارجية، وإذ به بعد إسقاط الحرس الثوري الإيراني الطائرة الأوكرانية، يحصد بلا عناء تفهما كاملا لدى القارة العجوز للحاجة إلى ردع جماعي لجمهورية المرشد.

للسلطان أردوغان حصة مماثلة، ورغم “أيديولوجيا” التسلل إلى نفق الحرب الليبية، مستغلا انشغال إدارة ترامب بالمشاغب الإيراني وضعف الصوت الأوروبي الموحد الذي ضاع تحت أمواج اللاجئين والشعبوية اليمينية، وطلاق مع بريطانيا… تكتمل تدريجيا ملامح طوق عزلة سيحاصر تركيا، خصوصا مع إصرار رجب طيب أردوغان على إرساء موطئ قدم في ليبيا عسكريا، واستغلال انقسامها منتزعا في لحظة غفلة إقرارا بتوسيع الحدود البحرية لمشروعه الإمبراطوري. فالأكيد أنه لا الأميركيين ولا الروس سيتركون الحلبة الليبية مسرحا لطموحات تتعارض مع حقوق مجموعة دول في التنقيب عن النفط والغاز شرق المتوسط.

وإذا كان واضحا إدراك الأوروبيين لمدى شهية السلطان في انتزاع ما يمكنه للتحكم بأوراق إقليمية، لا جدال كذلك في أن مبادرة ألمانيا لاستعجال مؤتمر برلين ورسمها إطارا أوسع من وقف إطلاق النار في ليبيا، جاءت لتسجل نجاحا مبدئيا حيث فشل الروس في إقناع المشير خليفة حفتر بهدنة… يفترض أن تكون مدخلا للتسوية السياسية الشاملة.

أعطى حفتر ورقة توقيعه للمستشارة أنجيلا ميركل، حوصر أردوغان بين تدخل المستشارة والغضب الأوروبي من اختياره سياسة التسلل والالتفاف للإيقاع برئيس حكومة الوفاق فايز السراج في فخ مذكرتي التعاون العسكري والحدود البحرية.

تكتمل العزلة الأوروبية حول مشاريع الرئيس التركي الذي بدلا من أن يلجأ إلى الحوار مع الجيران، أو التحكيم الدولي للبتّ في الحقوق القانونية لكل من دول البحر المتوسط، صار لا يمانع في اللعب على حافة الهاوية، مقتديا بالنهج الإيراني: ضجيج وتهديد ووعيد، ومهارة في تحويل الانكسارات والهزائم إلى انتصارات، بعضها “إلهي”، وبعضها “مزلزل”.

والحال مع النموذج الإيراني أن ما تزلزل بعد إمساك طهران بخيوط القرار في العراق ولبنان، وبزناد الحوثيين وصواريخهم في اليمن وخطط الميليشيات في سوريا.. هو أحجار الدومينو، الذي يتوهم المرشد الأعلى صلابته، فيما يتجاهل سماع من يهتفون بموته.

وعلى خطى حليفه الإيراني، يتوهم السلطان أن ما بدا له من وهن أميركي وتردد أوروبي هو هزال دائم في اللحظة التاريخية الملائمة للانقضاض على ما يشتهي، تارة باسم محاربة الإرهاب وأخرى بإيقاظ الإرث العثماني الذي ولّى بعد مرض عضال. قلة قد تذكر من فصول مرض العراق قبل الإطاحة بصدام حسين، المطالبات التركية بكركوك وحقوق التركمان. كان ذلك في عهد تورغوت أوزال فيما بغداد تحت مقصلة الحصار والعقوبات.

في طهران وأنقرة، المرشد والسلطان وجهان لقرصنة واحدة، لغتها فرض الأمر الواقع بالابتزاز والتهديد وتسويق الدجل ليصبح حقيقة، هما ضحيتها… وإلا ما معنى أن يتحول ضرب الحرس الثوري لقواعد تؤوي جنودا أميركيين في العراق إلى “واحد من أيام الله”، بقرار من خامنئي. تلك هي ذروة الهرطقة السياسية، يكملها استحضار رجب طيب أردوغان لـ”بطولات” بربروس، وهو يخال أن الأميركي نائم على حرير السلطان.

هو رجب الذي يظن أنه ينجح في ابتزاز الأميركيين بورقة تهديدهم بإغلاق قاعدة إنجرليك، كلما عنّ له انتزاع مطلب في المنطقة. تكرر ذلك مرات في سعيه إلى “منطقة آمنة” في سوريا على الحدود مع تركيا. مصيرها معروف، كمصير الخطوط الحمر في حلب والتي لوّح بها الرئيس التركي مرارا حتى سقطت حلب بعد مجازر. ويتندر السوريون اليوم بقلقهم على إدلب، وخوفهم الكبير من غيرة أردوغان على مصير سكانها، هو الذي يجند مسلحين سوريين للقتال في ليبيا.

غيرة المرشد على الفلسطينيين لم تُمحَ بعد، لكنه منهمك الآن بملحمة مع “الأعداء”، فنظامه على المحك الأخير إذا اشتعلت الانتفاضة في إيران مجددا، كما هو مرجح.

أما السلطان الذي سعى إلى تفخيخ مؤتمر برلين “الليبي”، بالحديث مجددا عن بدء إرسال قوات إلى ليبيا والتحضير للشروع في التنقيب في مياه المتوسط ، والتخلي عن كل مفردات الدبلوماسية -كما في اتهامه حفتر بالهروب من موسكو قبل أيام- فلعله لا يدرك أن عام 2020 سيكون سنة استعادة الأوروبيين لغة المصالح، ومعها لا مهادنة مع مشاغب أو مشاكس.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com