أصابت مبادرة المملكة العربية السعودية في اعتقال ومعاقبة كل من يحمل السلاح ويشترك في أعمال إرهابية داخل المملكة أو خارجها، كبد الحكمة التي لقيت أصداءها في الدول الغربية بمواجهة هذا التحدي. كان منها أن هددت السلطات البريطانية باعتقال ومساءلة ومراقبة أي بريطاني يشارك بمثل هذه الأعمال.
لقد تبين الآن أن نحو أربعمائة بريطاني (من أصول إسلامية) قد سافروا إلى الشرق الأوسط للقيام بمثل هذه العمليات، وعلى الخصوص الالتحاق بما يسمى المنظمات الجهادية. والخوف هو أنهم سيتأثرون بأفكار هذه الحركات الإرهابية ويتدربون على استعمال أسلحتها ومتفجراتها وأدواتها ثم يستعملون ذلك في الغرب ضد المواطنين الآمنين.
وقد أثار تحذير السلطات البريطانية وتهديداتها في هذا الخصوص كثيرا من النقاش. اعترف جيمس بروكنشاير، وزير الهجرة، بالصعوبات التي تعتري هذه الإجراءات، ولكنه أعرب عن ثقته بأن قوانين مكافحة الإرهاب ستكفي وتشمل ما يقع من أفعال خارج المملكة المتحدة.
بيد أن بعض الليبراليين اعترضوا على هذا المسعى وأشاروا إلى سابقة المشاركة في الحرب الأهلية التي جرت في الثلاثينات في إسبانيا. حدث أن شارك الكثير من البريطانيين، ولا سيما الفنانون والأدباء من أمثال جورج أورويل، في تلك الحرب وانضموا إلى الكتيبة الأجنبية التي تشكلت من المتطوعين من سائر البلدان الغربية. قالوا إن الشرطة البريطانية لم تتعرض لهم، فلماذا تتعرض الآن لمن يريد أن يشارك في الحرب الأهلية الحالية في سوريا؟ الواقع أن تلك الكتيبة الأجنبية التي انضموا إليها كانت تحارب ضد الجنرال فرانكو، القائد الفاشستي المتعاون مع النازيين والمتمرد بانقلاب عسكري ضد النظام الديمقراطي القائم، فضلا عن ذلك أن الكتيبة الأجنبية لم تكن منظمة إرهابية ولم تقم بأي عمليات إرهابية أو تحمل أي أجندة في هذا السياق. كانوا مجموعة من المثقفين اليساريين والليبراليين الذين عقدوا العزم على الدفاع عن الحكم الديمقراطي الاشتراكي. وكله على عكس أتباع «القاعدة» وزعانفها من التنظيمات التي تسعى لزعزعة الأمن والسلام وإشاعة الخوف والرعب بين الناس الآمنين، سعيا وراء أجندات خرافية سلفية وطائفية واستبدال الأنظمة المستقرة القائمة بفوضى عارمة تودي بشعوبها في الهاوية وتجر البلاد أخيرا للتدخل الأجنبي.
المبادرة السعودية جديرة بالاتباع في سائر الدول لقطع هذا البلاء بقطع موارده وأتباعه من الشباب الساذج. الإرهاب الإسلاموي الطائش سرطان انتشاري يقوض كل مظاهر الحياة المعاصرة. نلمس أعراضه في كل مجالات الحياة. حتى السفر أصبح معاناة وبلاء. لماذا يفتشوننا ويفتشون حقائبنا في المطارات والمتاحف والأسواق والمحلات العامة وكأننا شلة من الحرامية أو القتلة؟ لماذا يخشى المواطن القيام بأعماله وحتى الخروج من بيته؟ لماذا كل هذه الأسوار الخرسانية المحصنة والقبيحة التي تحيط بالأماكن العامة والفنادق والمراكز الأثرية والمتاحف وتشوه منظرها؟ لماذا يخشى المواطن أن يقول ما في ذهنه أو يكتب ما يشاء؟ لماذا نحرم أولادنا من المدارس والمستشفيات لنكرس أموالنا بملايين الدولارات للإنفاق على آخر المعدات الأمنية وأجهزة التجسس والتنصت؟ هذا داء لا بد من اجتثاثه.
(الشرق الأوسط)