اطمئنان الهدف وحسبة الأميركي
اطمئنان الهدف وحسبة الأميركياطمئنان الهدف وحسبة الأميركي

اطمئنان الهدف وحسبة الأميركي

عدلي صادق

يتوجّب التأمل، في تعقيدات الفصل الأخير من الحدث العراقي الذي يمثّله قتل قاسم سليماني وأبومهدي المهندس وآخرين، في قصف استعراضي أميركي، تعمّد تظهير القدرة على المبادرة والتفوّق العسكري المنذور لتكريس نفوذ العنصر “اليانكي” الأميركي في العالم.

بداية استعاد القصف في ردود أفعاله، مقولة قديمة – جديدة، تؤكد على أن الأميركي ليس له صاحب. فهو يساير طالما أن المسايرة تفيده. ولكي لا يتشكك أحد، في كون الرجل، بدأ دوره العسكري، صاحبا للأميركي؛ نُذكّر مستشاري الأمن القومي الأميركي المتعاقبون، أوصوا على تحاشي التعرّض له. لذا كان في المنهجية العسكرية الأميركية، مختلفاً عن طرائد أخرى للطائرات المسيّرة التي ظلت تضرب في اليمن وسوريا والعراق وليبيا. فهو ليس كالبغدادي وأشباهه، مضطرا إلى الاختباء. فلماذا كان الرجل مختلفا؟

يمكن اقتناص الإجابة عن هذا السؤال، من ثنايا تعقيدات العلاقة الأميركية – الإيرانية. ففي هذه العلاقة مساحتان، واحدة للتهاجي ولممارسة التعارض في الطموحات والرؤى وتمظهرات القوة، وأخرى اضطرارية للتعاون المسكوت عنه، على النحو الذي يلبّي مصالح الطرفين، دون أن يخفف هذا التعاون من حدّة السجال بين الطرفين. فالمساحة الأولى، مخصّصة للتوجهات العامة، بينما المساحة الثانية تتيح اللقاء والتنسيق في التفصيلات. وعلى هذا الصعيد، كان البسطاء قبل المختصين، قد أحسوا بوجود مثل هذا التعاون، في الحرب على العراق والإطاحة بصدام حسين. وذاك كان إرثاً بُني عليه، وساعد على استئناف التنسيق في مناسبات أخرى، قبل وبعد الإطاحة بصدام.

سليماني، هو الرجل الذي ترأس عملية التنسيق مع الأميركيين ومع البنتاغون، في تشغيل عملية تفكيك، أو محاولة تفكيك، سيطرة طالبان على أفغانستان. في ذلك السياق، كان هو يؤدي وظيفته وفق حسابات الأيديولوجيا، والأميركيون بحسابات الأمن والتواجد العسكري. وكان ذاك على أي حال، تعاون بين طرفين، لا يُلزم كل منهما تخفيف كراهيته للآخر!

وقاسم سليماني، الضابط في الحرس الثوري هو الذي تولّى في عهد الرئيس باراك أوباما، ضمان التناغم بين ميليشيات الحشد والقوات الأميركية التي جاءت لقتال داعش. ولم لا، والعدو مشترك، ولا يُراد للعنصر البشري الأميركي أن يشتبك على الأرض من المسافة صفر؟ وأيضا لم لا، إن كانت الحكومة العراقية نفسها، آنذاك، هي التي طلبت القوات الأميركية، برضا مرجعياتها الدينية المحلية ومرجعياتها الإيرانية، والرجل تحت إمرة مرجعياته؟

على الرغم من ذلك كان سليماني نفسه، في ناظر الأميركيين، يستحق القتل على ما سبق من أدوار انتهت بإخراج القوات الأميركية من العراق، أو، بالأحرى، إعادة صياغة وجودها وتأطيره باتفاقية، وإنهاء”شكل” الحكم الذي يتصدره بول بريمر. فبالنسبة للإيرانيين، لا تلائمهم صيغة الحكم التي أطلق عليها الأميركيون “سلطة الائتلاف المؤقتة” واستمرت لمدة سنة وأسبوعين. لذا قاوم العراقيون القوات الأميركية، بصيغة الشعب والحشد الشعبي، لكي لا يتحمل حكام العراق الجدد، أوزار قتل أميركيين ساعدوهم على استلام السلطة. وبالطبع أدار الإيرانيون تلك المقاومة، لأن شكل الحكم ينتقص من “شرف” إيران في ساحة لا يختلف اثنان على كون طهران هي التي باتت تحدد مسارات السياسة فيها!

وفي تلك التجربة، كان سليماني العقل المدبر لعملية “تطفيش” الأميركيين، ومفاقمة إحساسهم بالخسارة. ومع تداعي الأحداث بعد مغادرة غالبية القوات الأميركية، وظهور “دولة داعش” وجد الأميركيون سليماني يلائمهم، وبالفعل لم يخيّب آمالهم على قاعدة العدو المشترك. بعدها أصبح الرجل في ذهن الأميركي يستحق الشيئين: أن يُقتل وألّا يُقتل!

غير أن سليماني من جانبه ظل يتعايش مع الفكرة التي تستبعد استهدافه، لأسباب كثيرة، من بينها أن داعش ومثيلاته لا زالوا موجودين، وأن إسرائيل لم تغامر بتأييد تام لطرف في سوريا لا تأمن شره، وتفضل الطرف الذي تعرفه، وأن إسرائيل تضرب إيران في سوريا، في أي ساعة، ولا ترد، فهي محيّدة في ساحة عمل سليماني الأساسية، وأن الأميركي يمكن أن يستعين به لخفض التوتر مع طهران، وهذه نقطة أشار بعض المعلقين إلى وقائع تدل عليها.

لكن حراك الشعب العراقي ضد السلطة، ورفع شعارات تصفية دوائر الفساد والكف عن اعتصار الشعب العراقي لصالح المؤسسة الدينية، وكف يد إيران عن البلاد، خلط الأوراق، وجعل استهداف الأميركيين هدفاً لموالي إيران في ظروف إقليمية مواتية. هنا أصبح اليانكي الأميركي في مأزق. السفارة الأميركية في بغداد، رمز “الفضل” الأميركي على السلطة، باتت مهددة والقوات الأميركية مهددة، والسياق يجري لصالح طهران، ثم إن الانتخابات الرئاسية الأميركية باتت قريبة، والحزب الديمقراطي يضيق الخناق على دونالد ترامب لكي يعزله قبل انتهاء مدته، بينما هو يطمح إلى ولاية ثانية، والنزاع مع الصين، شهد الكثير من النقاط لصالح بكين!

عندئذٍ وجد ترامب نفسه معنيا بعمل، وإن كان في حدود اغتيال شخص فرد، فإن فيه استعادة لدور السوبر الذي يضرب وقتما شاء وأينما شاء وبالكيفية التي يريدها.

لم يكن الوقت وتسارع الأحداث، يتيحان لسليماني معرفة حقيقة التغيير الذي طرأ على المعادلة، في اللحظة الفاصلة بين اطمئنان الهدف وحسبة الأميركي الجديدة.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com