ليبرمان ومأزق التشكيل الحكومي في إسرائيل
ليبرمان ومأزق التشكيل الحكومي في إسرائيلليبرمان ومأزق التشكيل الحكومي في إسرائيل

ليبرمان ومأزق التشكيل الحكومي في إسرائيل

عدلي صادق

كان محللو الشأن الإسرائيلي أجمعوا قبل الانتخابات الإسرائيلية العامة لـ”الكنيست 21” في أبريل 2019 على أن أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” العلماني، سيكون اللاعب الذي يحسم أمر الحكومة. فعلى الرغم من وجود كتلتين كبيرتين، تحصل كل منهما على ضعف عدد مقاعد ليبرمان، لكنها لا تستطيع تحقيق أغلبية، ولن تتأهل دون ليبرمان لتشكيل الحكومة.

وبسبب عقدة ليبرمان أمام منشار السياسة الإسرائيلية، أعيدت الانتخابات العامة مرة أخرى في شهر سبتمبر، دون أن تفتح نتائجها طريقا للتشكيل الحكومي، لأن الأمر لا يزال يقف أمام عقدة ليبرمان. بل إن هذا السياسي المتشدد، معقد آمال اليهود الروس، كان هو نفسه، سبب إجراء الانتخابات العامة في إبريل وفي سبتمبر، وفي حال اضطرت إسرائيل إلى انتخابات ثالثة في مطلع السنة الجديدة، فسيكون هو سببها أيضا!

هذه المرة، استشعر ليبرمان في نفسه القدرة على تحذير الكتلتين الكبيرتين “الليكود” و”أزرق أبيض” فعرض عليهما الحلول للخروج من المأزق، الذي لا تزال إسرائيل تفتش عن مخرج منه!

كثيرة هي الأسباب التي هيأت لأفيغدور ليبرمان أن يحقق هذه المكانة، لعل أهمها أو جذرها، منطق الأصولية “الحريدية” التي جمعت بين التطرف السياسي والتطرف الاجتماعي، وأظهرت في ربع القرن الأخير نزعة التأفف من المهاجرين الروس، الذين رآهم الحاخامات مصدر تهديد للثقافة الدينية في الدولة وللتقاليد اليهودية.

في هذا المنحى، تصبح الدولة التي قامت على الهجرة، تكره المهاجرين، بعد أن وقعت تحت قبضة الأصوليين، الذين رجحت لديهم الأسرلة، أي الأخذ بالخصوصية الإسرائيلية التي تشكلت، لاسيما بعدما حسموا ملامحها العامة في الاتجاه المعاكس للثقافة الديمقراطية، بحيث يكون من هم خارج حدود التقاليد اليهودية الحريدية، أشبه بالغرباء الذين يفسدون المجتمع الإسرائيلي في ناظر التيار الأصولي.

هذا المنطق، هو السبب الرئيس للتشظي السياسي الذي تشهده إسرائيل الآن، ومن بين الأسباب الأخرى سقوط ما يسمى بالتيار القومي، الذي أنشأ الدولة، وتراجع اليسار، وتعويم فكرة العار من أن تعتمد أي كتلة يهودية في “الكنيست” على صوت كتلة عربية، تمثل السكان غير اليهود.

وفي هذا السياق، اندفع الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان إلى العلمانية. فمن جهة، هو روسي من مولدافيا، يستفزه موقف الحاخامات وعلماء الاجتماع المؤيدين لهم، الذي يصنف الروس بكونهم ذوي تقاليد غريبة عن المجتمع، ومن جهة أخرى، يرى في “الليكود” بيئة مغايرة لبيئته، إذ تعتمد على الأصولية المتشددة دينيا، لكي تظل طافية على سطح الحياة السياسية في إسرائيل، بينما كانت مهنة ليبرمان الأولى في مولدافيا، ضبط السكارى في إحدى الحانات!

وفي الحقيقة، لم ينعكس جموح الحريدية الأصولية المتطرفة على حزب ليبرمان وحسب، بل كان سبب انشطار اليمين الإسرائيلي أفقيا ورأسيا، دون أن تفارق الأجزاء يمينيتها. فقد تشكلت سريعا وصعدت كتلة “أزرق أبيض” التي يترأسها بيني غانتس، الرئيس الأسبق لهيئة الأركان العامة للجيش، ومعه مجموعة من رؤساء أسبقين لهذه الهيئة، وجنرالات وساسة، أرادوا إعادة إسرائيل إلى سياقها الديمقراطي كما يقولون.

وبحكم كون الرمزية ومآثر رحلة التحقق اليهودي الصهيوني تشكل عاملا مهما في تشكيل الزعامة، فإن غانتس، اليهودي الهنغاري، وُلد في مستوطنة إسرائيلية لليهود غير المتدينين، لأسرة ناجية من “المحرقة” كانت ضمن سفينة “حاييم الروزروف” الشهيرة ذات الرحلة الدرامية، وكان أبوه نائب رئيس الوكالة اليهودية وأحد أبرز دعاة الاستيطان في فلسطين.

مع الصعود السريع لكتلة علمانية يترأسها غانتس، مقابل الكاريزمية التي كرسها نتنياهو لنفسه داخل حزبه الكبير، آنس أفيغدور ليبرمان في نفسه القدرة على الاشتراط. وفي الواقع، سُمعت الرؤوس كلها تشترط على بعضها البعض. غانتس يقبل “الليكود” دون نتنياهو كشرط، وهذا الأخير يقول إما أنا والليكود، غير منفصلين، وإما الصراع كشرط. وليبرمان يلتقي مع غانتس في الرغبة بإحالة نتنياهو إلى القضاء، فيرفع نتنياهو وتيرة التهاجي ويجعل ميل غانتس إلى الاستعانة بالكتلة العربية لتمرير حكومة يشكلها، عارا عليه وينال من صهيونيته، لأن العرب يتمنون، كما يقول، “إبادة إسرائيل”!

عندما أصر ليبرمان على أن “حكومة الوحدة” هي النتيجة الوحيدة الممكنة، التي ستحول دون الذهاب إلى انتخابات ثالثة، طالب “أزرق أبيض” و”اللكود” بأن تتقدم كلٌ من الكتلتين نحو الأخرى، وأن تتفاوضا على الخطوط العريضة لمنهجية الحكومة، على أن يدع نتنياهو كتلته وشأنها، قائلا بنبرة تحذير “إن لم يتخذ شخصٌ ما القرار الصحيح، فإن حزبنا سوف يستخلص النتائج”!

وبينما الأقطاب تخوض في لعبة شد الحبل، وفي الوقت الذي يمارس فيه نتنياهو لعبة القط والفأر مع القضاء الإسرائيلي، أحس قطاع عريض من الإسرائيليين بخطر الوقوع في مأزق أعمق وحدوث اضطراب داخلي. فقد تذكر الكثيرون تلك الأيام التي كثف فيها “الليكود” ومحيطه الحزبي ومعه الأصوليون وأعضاء “كنيست” الهجوم على إسحق رابين، حتى استقرت الرصاصات في رأسه. فها هم هؤلاء أنفسهم، يشنون حربا على سلطات تطبيق القانون، ويحاولون ليّ ذراع الدولة، ونشر هستيريا تحريض على من يقفون في وجه نتنياهو، لمواجهة افيحاي ماندلبليت، المستشار القانوني للحكومه، وتخويفه من اتخاذ القرارات الواجبة ضد بنيامين نتنياهو، الذي أصبح يلوم نفسه على إضاعة فرصة التوصل إلى صفقة تحول دون تقديم لوائح اتهام ضده.

ويراهن نتنياهو الآن على استمرار ماندلبليت في الصمت، وعلى إخراج المرأة القوية التي عُينت نائبة للمدعي العام، وهي ليئات بن آري، المسؤولة عن حقيبة الجرائم الضريبية والاقتصادية في مكتب الادعاء العام، واستبدال شخصية ضعيفة بها. غير أن قطاعا عريضا من الإسرائيليين، يرى أن حل المأزق السياسي لا يزال رهن ماندلبليت حين يتحلى بالقدر المطلوب من الشجاعة. ويكمن المأزق في اضطرار الساسة المتعجلين إلى البحث عن حلول وسط، قبل أن تنقضي المدة المحددة المتاحة لغانتس لتشكيل الحكومة.

ولعل من أطرف ما يجري الآن، هو الميل الذي ظهر لدى غانتس، إلى ارتجال حكومة بأغلبية ضئيلة، بإشراك القائمة العربية المشتركة، التي يترأسها أيمن عودة، مع نقيضها أفيغدور ليبرمان، على أرضية خطة بين غانتس وليبرمان، بحيث يصبر الأخير على دور القائمة العربية، لحين تمرير حكومة ذات قاعدة برلمانية ضعيفة، يُستفاد منها في شيء واحد فقط، وهو تجريد نتنياهو من ألقابه ومزايا وظيفته، ورميه إلى القضاء لكي يلقى جزاءه، ثم العودة إلى تشكيل حكومة ذات أغلبية مريحة، بمشاركة غانتس وليبرمان، تستغني عن تصويت القائمة العربية!

حتى هذه اللحظة، يؤدي ليبرمان دور اللاعب الذي يحسم، ويمكنه إحباط تشكيل الحكومة أو الذهاب إلى انتخابات ثالثة، وهدفه في النهاية، التخلص من نتنياهو مرة وإلى الأبد، والاشتراط على “الليكود” بأن يتخلى عن اعتماده على الأصوليين المتطرفين، وله أن يتمادى في تطرفه السياسي ويمينيته مثلما يشاء.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com