ثقافة الإنكار
ثقافة الإنكارثقافة الإنكار

ثقافة الإنكار

قبيل حرب "أسلحة الدمار الشامل" على العراق، نزل إلى شوارع لندن مليونا إنسان يتظاهرون ضد قرار بوش ومشاركة بريطانيا. وكانت تلك أضخم تظاهرة في تاريخ المدينة. ونزل ملايين آخرون إلى شوارع أوروبا، والأميركيون يرفضون الحرب ضد نظام ديكتاتوري تنتقده صحفهم كل يوم.



لماذا تحولت تلك الجموع من الوقوف ضد صدام إلى الوقوف، بهذا الحجم، ضد بوش؟ لأن موقع الافتراء نفسه قد تغيَّر. ولأنها شعوب تعلمت، على مدى القرون، من تجارب الظلم والجريمة والجنون، أن أسوأ حالة بشرية وأكثرها فظاعة هي الإنكار. فالإنكار يبرر لك كل شيء، ويحررك من المسؤولية.

النضوج مسؤولية جماعية. الذين اختاروا في 11 سبتمبر (أيلول) أن يصدّقوا أنها مؤامرة أميركية، لم يتوصلوا حتى الآن إلى سبب مقنع واحد. أو شبه مقنع. وبدل أن يصدّقوا بيانات بن لادن والظواهري وبوغيث، اختاروا أن يصدقوا مهرجًا فرنسيًا تعوَّد جني الثروات من العقول الطرية، وقال يومها، إن البنتاغون هو الذي قرر أن يدمر البلاد الموكول إليه حراستها.

إنها مسؤولية جماعية: أن نقف معًا ضد الجريمة ونكرانها.. معا. وأن يكون لنا دور إلى جانب الشعوب الأخرى في رفض العنف والاستبداد، والدفاع عن الذين ليس لديهم سوى قانون واحد ودفاع واحد وعدالة واحدة هي القتل. كان يفترض أن تملأ التظاهرات المدن ضد الإساءة إلى الرسول، صلى الله عليه وسلم، ولكن أيضا يُفترض أن نرفض جماعيا أن يكون ردها بهذه الطريقة المسيئة إلى رسالته.

الاستقالة من المسؤولية الجماعية إنكار وهروب. وما نحن فيه اليوم ليس مسؤولية الديكتاتوريين والأنظمة القمعية وحدها، بل مسؤولية الرفض الجمعي اللاواعي للحقيقة الكبرى، وهي التواطؤ المبسط في إنكار التردي، والبحث عن الخلاص والتقدم والخروج من التخلف على طريق واحد من اتجاهين: الموت والقتل.

لقد كان لدى مليوني بريطاني من الجرأة المعنوية بحيث نزلوا إلى الشوارع يعترضون على حرب ضد صدام حسين. ولا تزال لندن تحاسب توني بلير على مشاركته في الحرب. ونحن لا نزال نردد، إلى اليوم، أن «كلمة سر» أعطيت إلى الموظفين اليهود في برجي التجارة في 11 سبتمبر، لكي لا يأتوا إلى مكاتبهم ذلك النهار. تصور «كلمة سر» تعطى إلى آلاف الناس.

غضب شيخ جزائري من كتابات الصحافي كمال داود فطلب إعدامه. أليس هناك ضرورات أخرى قبل الإعدام؟ بأن يحال مثلاً إلى المحاكمة والقضاء، وأن يصار إلى إبلاغ وزارة العدل بما فعل، وبعدها يترك لمحكمة شرعية أن تقرر عقابه؟ أم هكذا مباشرة وفورًا إلى الإعدام؟ تدل حالة الإنكار المفزعة على عدم وعي كامل، بارتداد الأثر على العرب والمسلمين في ديارهم وديار سواهم. هذا الإنكار يدفع المسلمين والعرب في أوروبا وأميركا إلى «غيتوات» لعلها بدأت في ألمانيا وفرنسا، حيث تنتعش الحركات الفاشية من جديد. أسوأ من الفعل، أحيانا، ردود الفعل. وأسوؤها جميعا، الإنكار.
"الشرق الأوسط"

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com