عود للمرأة
عود للمرأةعود للمرأة

عود للمرأة

أعود لأواصل كلامي عن المرأة. وهل ينتهي حديث المرأة؟ من الألغاز التي تحيرني فيها خوفها الفظيع من الفأر. وهو خوف تشترك فيه كل نساء العالم. لا أدري ما الذي يخيفهن فيه. فالفأر من أصغر الحيوانات وأضعفها وأجبنها وأقلها خطرا وعدوانا. هناك كل هذه الحيوانات الضارية، السباع والنمور والذئاب والتماسيح، ولكنها لا تخيف المرأة كما يخيفها الفأر. بل هناك ما هو أهول وأفظع على المرأة من كل السباع والذئاب والنمور، ألا وهو الرجل، هذا المخلوق الذي لا ينفك بعضهم من الاعتداء عليها، يستعبدها ويضربها، يخدعها ويكذب عليها. بل إن بعضهم لا يؤنسه شيء أكثر من إهانتها وشتمها وتجويعها وحرمانها من حقوقها.

ومع ذلك تحبه وتجري وراءه وتبكي لفراقه. تتحمل كل ظلمه وتمضي فتسهر على راحته وتطبخ له وتغسل ثيابه. تغني وترقص وتتجمل له. لا تخافه وتهرب منه ولكنها تخاف وتهرب من الفأر! هل يمكن أن نتصور حماقة أكثر من ذلك؟

استغلت فتاتان فرنسيتان هذا الخوف من الفئران فقامتا بتسليب امرأة ونهب شنطتها في الشارع بمجرد تخويفها بفأر صغير. مسكت به إحداهما في وجه السيدة وصرخت بها: «شنطتك أو الفأر؟» فرمت السيدة شنطتها على الأرض وراحت تجري هربا وتصرخ ذعرا، كما لو أنها واجهت أحدا من عصابات «القاعدة» يهم بتقبيلها.

ألقت الشرطة القبض على الفتاتين وفأرهما وأحالتهما للمحكمة. دافع المحامي عنهما بقوله: إنهما فعلا ذلك من باب المزاح، ولكن المدعي العام أصر على اتهامهما بالسرقة مع سبق الإصرار بسلاح خطر (الفأر). وأبرز الفأر المشار إليه للقاضي. فصرخت كل من كان في القاعة من النساء وساد الهرج والمرج. واضطر القاضي إلى طلب الهدوء والصمت وإلا سلط الفأر عليهن وكل ما في مبنى المحاكم من فئران، رغم انشغالها بعملها اليومي في قضم دفاتر الضبط وقرارات المحكمة، ذلك العمل الجدير بالشكر.

بالنظر لخطورة الجريمة ووجود ظرف إرهابي مشدد فيها، ألا وهو استعمال سلاح خطير في ارتكابها فقد حكم القاضي عليهما بمائة ساعة من العمل الاجتماعي الشاق. بيد أن الادعاء العام كان – حسب رأيي - مقصرا كالعادة في قيامه بوظيفته، فقد كانت هناك جريمة أخطر من مجرد السرقة، ألا وهي اختطاف حيوان بريء وسجنه واستغلاله في ارتكاب جريمة يأبى شرفه كفأر وكل تقاليده الحيوانية القيام بمثلها. ولكن من يسمع أو يعبأ يا سيدي القارئ، وكل مواثيق الأمم المتحدة لا تنص على حماية حقوق الفئران والجرذان.

ولا شك أن هذه المرأة الفرنسية التي أرعبها وروعها ذلك الحيوان الصغير الوديع وجعلها تركض مذعورة إلى البيت تصرخ وتولول قد دخلت دارها وسارعت لتلقي برأسها وتكفكف دموعها على صدر ذلك المفترس الكبير: الإنسان... زوجها.

*الشرق الاوسط

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com