الأمة العربية: صراعات أبدية
الأمة العربية: صراعات أبديةالأمة العربية: صراعات أبدية

الأمة العربية: صراعات أبدية

إن السمة الغالبة على تاريخ العرب طيلة القرن العشرين والسنوات التي انقضت من القرن 21 هي أنه تاريخ صراعات ونزاعات، ما إن يخفت أحدها في بقعة ما حتى ينفجر واحد آخر أو أكثر في بقع أخرى، وليست هذه الصراعات والنزاعات عسكرية فحسب، وإنما ارتدى بعضها أشكالاً عديدة ميزتها العامة أنها مصيرية للأمة العربية، يتجاوز النزاع فيها خلافات الحدود إلى ماهية الوجود نفسه.

والمتمعن في طبيعة هذه الصراعات سيلاحظ أنها ابتدأت كلها ضد الآخر الأجنبي والغريب على المنطقة، الطامع فيها وفي خيراتها وموقعها الاستراتيجي. ففي الستين سنة الأولى من القرن العشرين كانت الصراعات ضد الاستعمار الغربي على اختلاف دوله، واختلاف الأشكال التي ارتداها من استعمار مباشر، كما حصل في الجزائر إلى حماية كما في تونس والمغرب ومصر وإمارات الخليج وانتداب كالذي عانت منه دول الهلال الخصيب.

وقبل أن يتم إجلاء ذلك المستعمر عسكريا ترك بؤر توتر أججت العديد من الخلافات فيما بين العرب أنفسهم، ثم بينهم وبين جيرانهم، ما جعل شعوب المنطقة ودولها تدخل صراعات وجود وهوية بعضها كان وما زال أشد ضراوة وخطورة من تلك التي كانت مع القوى الاستعمارية. يتعلق الأمر هنا ب:

*الصراع مع الاستيطان الصهيوني الذي زحف على أرض فلسطين تحت حماية وانتداب المستعمر البريطاني، وأسس فيها دولة دينية عنصرية، لم تكتف قط بقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة، وإنما افتعلت حروبًا مع كل محيطها العربي استطاعت من خلالها الاستحواذ على كافة أراضي فلسطين التاريخية بين البحر والنهر، إضافة إلى هضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية وشبه جزيرة سيناء قبل إعادتها إلى القاهرة بموجب اتفاقية سلام ما تزال صامدة حتى الآن.

*الصراع مع إيران في صيغتيها، الإمبراطورية التي مارست سياسة استعلاء عدائية ضد العرب، وانطلاقا من دور دركي الخليج احتلت الجزر الإماراتية الثلاث، واقتطعت شط العرب من العراق، ثم إيران الملالي التي واصلت سياسة العداء ضد جيرانها عبر :

- ترسيخ نزعة الهيمنة في الخليج الذي أصرت على أن يظل نعته فارسيًا، رافضة أن يسمى إسلاميًا رغم انسجام هذه الصفة مع تسميتها الجديدة "جمهورية إيران الإسلامية". وهي نزعة دعمتها بتكوين خلايا تخريب داخلية في الدول التي ينتمي بعض مواطنيها للمذهب الشيعي الجعفري مثل السعودية والبحرين والكويت.

- التمدد الجغرافي والتواجد الميداني في الأراضي العربية بوحدات من الحرس الثوري أو من خلال مليشيات شبه عسكرية محلية تؤمن لطهران نفوذًا واسعًا كما هو الشأن في العراق وسوريا ولبنان واليمن.

*الصراع المستجد بشكل خافت وبصبغة استخباراتية وأمنية مع النظام التركي الذي كشف عن هويته الإخوانية وأحلامه العثمانية بعد أن ظل يختفي لمدة طويلة خلف عباءة العلمانية. وهو صراع تحاول تركيا أردوغان من خلاله ليس فقط فرض قيادتها للعالم السني، وإنما توسيع رقعة جغرافيتها على أراضٍ عربية تحت ذرائع مختلفة كما يلاحظ من سعيها لإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا.

وللأسف رغم ضراوة هذه الصراعات وهي مرتبطة بالوجود والهوية، فإن العرب دخلوها ومازالوا يخوضونها متفرقين إما كدول منفردة أو ضمن تحالفات ظرفية صغيرة؛ الأمر الذي جعل بعض هذه الصراعات ترتد نزاعات وخلافات عربية عربية بعد أن اصطف بعض العرب إلى جانب هذا الطرف الإقليمي أو ذاك ضد مصالح إخوانه العرب.

وفي وضع كهذا يتسم بالأنانية والعناد من غير المستبعد أن تظل الأمة العربية فريسة صراعات أبدية.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com