خلفيات زيارة نتنياهو إلى مسقط
خلفيات زيارة نتنياهو إلى مسقطخلفيات زيارة نتنياهو إلى مسقط

خلفيات زيارة نتنياهو إلى مسقط

عدلي صادق

هزة فجائية للمياه الراكدة، أوقعتها زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى مسقط، في أعقاب زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إليها. وبعيداً عن مستوى الشكل وملمح الحفاوة التي استقبل بها نتنياهو وزوجته، بدا في الخلفيات أن الأمور تتحرك بسرعة لاختبار فاعلية المقاربة الأولى للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للتواصل السياسي مع الفلسطينيين، لعرض الخطوط المشروعة لمقترحاته بشأن التسوية، وما فيها من مغريات للجانب الفلسطيني في نظر الأميركيين. وهذا ما عبر عنه مبعوث ترامب، رونالد لودير، صديق نتنياهو القديم، للجانب الفلسطيني.

ومثلما ذكرنا في مقال سابق، حول زيارة الرئيس الفلسطيني الفجائية إلى مسقط، فقد أريد للاتصالات عبر رونالد لودير، أن تكون غير رسمية، وخارج سياق الاتصالات المعتادة، التي توضع في صورتها اللجنة الرباعية الدولية وجامعة الدول العربية ويكون عنوانها منظمة التحرير الفلسطينية.

وكان ضروريًّا التذكير في ما كتبنا، بمحاولة لودير التوسط مع سوريا، في العام 1996 بتشجيع من رجل الأعمال ورجل اللوبيات الأميركي من أصل لبناني جورج نادر، الذي طلب من لودير إقناع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون إنشاء خط غير رسمي للاتصالات مع حافظ الأسد. وكانت مسقط تحديداً، هي مكان الاجتماع السري الإسرائيلي – السوري المقترح من جانب لودير ونادر.

ففضلاً عن الأسباب الموضوعية في الاقتراح المتعلق بالمكان، ومن بينها هدوء السياسة العُمانية وكتمانها وحيادها؛ فقد كانت هناك أسباب خاصة يمكن افتراضها على أساس وجود علاقات أخرى لرجليْ الأعمال الأميركييْن لودير ونادر، المعنييْن بالسياسة، ولها علاقتهما الأوساط الرسمية في مسقط.

وفي الحقيقة، ليس هناك ما يجعلنا نتوقع أن زيارة عباس الفجائية إلى عاصمة سلطنة عمان، قد جاءت من بنات أفكار عباس. فهي قطعاً أتت بتدبير من لودير في وقتها وفي موضوعها. وبالنسبة لسلطنة عمان، فمن الطبيعي أن تكون جاهزة، لمحاولة إنجاز اختراق سياسي لعملية التسوية المسدودة التي تؤيدها سلطنة عُمان بقوة. وعندما يتعلق الأمر بما يسمى “صفقة القرن” فإن الرفض العلني لشروط الصفقة (لا سيما بعد اعتراف الرئيس الأميركي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها) كان عائقاً أمام الإدارة الأميركية للبدء بمحادثات حول الصفقة، وهو العائق الذي جعل التأجيل سوى التأجيل للإعلان عن الصيغة النهائية للصفقة، هو خيار إدارة ترامب.

من المؤكد أن رونالد لودير، عندما التقى عباس في الأسبوع الأخير من الشهر الماضي، سمع منه تحفظاته على مسائل جوهرية في الطرح الأميركي، موصولة بالإجماع الدولي بشأنها لضمان أن تكون التسوية دائمة ومقبولة. وهنا يكون لودير رأى المخرج، بلقاء يجمع نتنياهو وعباس، لحل النقاط العالقة، على أن يبدأ التمهيد لهكذا لقاء، بزيارة نتنياهو إلى مسقط، بعد زيارة عباس إليها وطرح النقاط التي يصعب التنازل عنها.

عنصر الفائدة من كون الاتصالات غير رسمية، وإن لم تكن سرية، بمعنى جريانها خارج السياق العام للاتصالات الدولية بشأن قضية الشرق الأوسط؛ هي بالنسبة للأطراف الثلاثة، أن الفشل سيكون وقع في الحارة البعيدة الضيقة ولا تبعات له، أما النجاح فإنه سيُحال إلى السياق الدولي العام والرسمي. تماماً مثلما جرت مباحثات أوسلو، سرية وغير رسمية، في موازاة خط مدريد – واشنطن للتفاوض المتعدد الأطراف.

الاثنان، عباس ونتنياهو، في زيارتيهما إلى مسقط، حرصا على إضفاء الطابع الشخصي على الزيارتين. الأول اصطحب خاصته الأمنية تحديداً، في نطاق السلطة لا المنظمة، في غياب العناصر المكلفة بملف المفاوضات باسم منظمة التحرير الفلسطينية. ونتنياهو من جانبه، اصطحب زوجته وكانت في الواجهة، أما في الخلفية فقد كان حاضراً مندوبو المخابرات والمؤسسة العسكرية.

واضح أن العقبة الرئيسة التي سيجري التداول بشأنها، أو تلك التي تناولتها المباحثات التمهيدية في مسقط، لعباس ونتنياهو، تتعلق بموضوع القدس، على قاعدة أن حل هذه العقبة، من شأنه “تعديل” أو “تجميل” قرار ترامب بشأن القدس، الذي واجه اعتراضاً دولياً لم يخرج عنه حلفاؤه الأوروبيون. وستتمحور المناقشة حول كيفية “تجميل” قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. والطريقة الوحيدة التي يمكن للمرء أن يفترضها، هي اللعب على فرضية أن القدس قُدسان، واحدة شرقية احتُلت في العام 1967 وهي التي يطالب الجانب العربي باستعادتها كعاصمة للدولة الفلسطينية، والثانية غربية محتلة منذ العام 1948، وبالتالي ليس هناك من حل سوى أن تكون المدينة الكاملة عاصمة لدولتين. وعلى هذا الصعيد، ستكون المفاوضات المضنية حول مساحة القدس الشرقية وحدودها. ففي مثل هذه المفاوضات تنشأ، حُكما، الوقائع التي افتعلها الاحتلال على الأرض منذ العام 1967، والأحياء التي تم استيطانها، وحدود وشكل السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية في حال تخليق الصيغة.

بعد زيارة نتنياهو إلى سلطنة عمان، وملمح الحفاوة التي استُقبل بها من جانب السلطان قابوس، أثيرت موجة استنكار للحدث، بالتركيز على الشكل دون المضمون، بينما لا سلطنة عُمان، ولا السلطان قابوس، في حاجة إلى ضجيج. وهذا الذي يجعل مسقط معنيّة بظهور سريع لبيت القصيد، وهو محاولة فتح ثغرة في الانسداد السياسي. ومن الجدير التنويه بأن الاتصالات العربية مع إسرائيل، لم تعد أمراً مستغرباً في واقع الأمر، لأن الاتصالات تجري، بعضها علنا وبعضها سراً.

وسلطنة عمان كانت هي والسودان إبان فترة حكم جعفر نميري، الدولتان العربيتان اللتان لم تعترضا على اتفاقية كامب ديفيد المصرية – الإسرائيلية في العام 1978، وليس لدى سلطنة عمان ما تخفيه. فقد أسست علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، ثم قطعتها احتجاجاً على القمع والجرائم الإسرائيلية إبان الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في أكتوبر العام 2000. وتعتمد مسقط، منحى براغماتياً في السياسة، وتحافظ على علاقات مع جميع الأطراف، وتحظى بصدقية لدى الأطراف الإقليمية على الرغم من تناقضاتها، وهي على مسافة واحدة تقريباً بين طهران وواشنطن.

بدت حفاوة السلطان بنتنياهو، كما أن المضيف يريد إذاقة الضيف الجاحد العنيد والمتطرف، طعم العلاقة التي يمكن أن تكون محببة، في حال التوصل إلى تسوية للنزاع، والانفتاح على العالم العربي. وقد عُرف عن المُضيف في هذا المثال، أنه لا يكترث كثيراً للاعتراض على سياساته أو إثارة الغبار حولها، حتى أصبحت الأطراف المنتقدة لأوضاع سلطنة عُمان وسياساتها، تشعر بعدم جدوى ما تقول.

لن يقصّر المتحدثون في السياسة، من منطلق الأيديولوجيا، في هجاء الزيارة “التطبيعية”، لكن سلطنة عُمان استجابت للعب دور طُلب منها في الواقع، ووجدت نفسها قادرة على أدائه.

العرب

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com