ما زالت الرماح مرفوعة
ما زالت الرماح مرفوعةما زالت الرماح مرفوعة

ما زالت الرماح مرفوعة

قبل أيام انتقد وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة ما دعت إليه الجبهة السلفية للخروج يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي للتظاهر مع رفع المصاحف، معتبرا الدعوة لرفع المصاحف في المظاهرات السياسية «دعوة خوارج»، وأنهم يستعيدون الصورة الذهنية التاريخية للخوارج عبر التاريخ، كما اعتبر هذا اعتداء على قدسية كتاب الله.



في أغسطس (آب) 2008، وتحت عنوان: «الإخوان والرماح المقدسة»، جاء لمقيّد السطور مقال فيه إشارة إلى مقابلة وردت في مجلة «السياسة الدولية الفرنسية» ونشرتها صحف مصرية لنجل الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك، جمال، تحدثت فيه عن جماعة الإخوان، وأن «الدين أحد أهم عناصر التكوين في مجتمعنا وثقافتنا، وهناك بعض الجماعات يستخدمونه كوسيلة لتطوير أفكارهم الهدامة».


وردَّ أعضاء الإخوان طبعا في حينه، وكانوا آنذاك ملتحفين بمعطف جماعة «كفاية» (انطلقت منتصف 2004) والمعارضة الوطنية «العلمانية»، مخفين حدة النصال وشفرة الخناجر تحت صراخ الحناجر بالوطنية والمدنية.


موقف الإخوان في مصر لم يكن متطابقا تماما مع موقف الجماعات الناصرية واليسارية التي انضوت تحت لواء حركة «كفاية»، والتي كان أساسها محاربة التوريث، ثم طورت مطالبها وخطابها باتجاه خطاب سياسي ثوري، داخليا وخارجيا، فهو يريد إلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، وتثوير السياسة المصرية ليصبح النظام المصري مثل الأنظمة والجماعات الراديكالية، وكانت ملاحظة أحد صقور «كفاية» حينها، عبد الحليم قنديل، وهو يشكك في نيات الإخوان تجاه التوريث، والتواصل مع إسرائيل لو صار لهم نصيب في الدولة. وذكّر قنديل بتصريحات لعصام العريان نشرت في أكتوبر (تشرين الأول) 2007، قال فيها إن «الإخوان لو وصلوا إلى الحكم سيعترفون بإسرائيل ويحترمون المعاهدات».


ينقم البعض، أو يستغرب، من غزارة الحديث عن جماعة الإخوان، على أساس أن ذلك مبالغة وتحامل على الجماعة. من يقول هذا إما متعاطف مع فكر الجماعة، ولو بدرجة خفيفة، وإما «مدمن» لعداوة الدولة ومؤسساتها، فيعمى بصره عن أي طرف آخر، ما دام هذا الطرف «يشفي غليله» من الدولة. من عتاة اليسار والقوميين، الأشياخ منهم والأشبال.


الحق أن نقد الإخوان لم يصل بعد إلى الدرجة المطلوبة في تحصين الناس من ثقافتهم، لقد بذروا الكراهية، وغرسوا أشجار الوهم في أفئدة المسلمين والعرب، بحجة التصدي لحماية الهوية والأمة، ثم يقولون لآخرين خطابا آخر، فلهم أكثر من قناع، ويتحدثون بأكثر من لسان، واستباحوا الخداع والتقية، بوصف ذلك دهاء سياسيا، وفي نفس الوقت يوجهون إلى قواعدهم خطابا يقوم على الاستثارة الدينية، فأفسدوا الدين والدنيا.


يرفعون المقدس (المصحف) واللافتات الدينية، لمنح أنفسهم حصانة الدين، ولكنهم يدخلون مجال الدنيا (السياسة) الذي هو نهر الأخطاء البشرية، بهذه الصفة، في حالة ابتزاز ديني - دنيوي.

تشبه هذه الحالة قصة معركة صفّين في تاريخنا حينما رفع جيش معاوية المصاحف على الرماح بعد تحقق الهزيمة، فتحصنوا بالمقدس لحماية مصلحة دنيوية.

ما زالت الرماح المقدسة مرفوعة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com