لورد الكاريكاتور
لورد الكاريكاتورلورد الكاريكاتور

لورد الكاريكاتور

سمير عطا الله


أيضا بالنسبة إليّ، على الكاريكاتور أن يُضحك، أو أن يحفر، ومحمود كان يُضحك ويحفر كأنه يرسم التاريخ والآن معا؛ وإذ تستعرض رسومه الماضية تُدرك ماذا أعني. وقبل أي شيء، قبل أن يكون مضحكا ولاذعا وساخرا، كان حرا وقيميا وأخلاقيا. ومن أجل أن يحمي كاريكاتوره اليومي من أي تدخل أو وساطة أو صداقة، عاش وحيدا، لا يزور ولا يزار، ولا يسافر ولا يستقبل، وعندما كنت أخترق عليه خلوته في المكتب، كان يسارع إلى نقل الصحف والمجلات والكتب والمحابر، باحثا عن مقعد.


كان ذلك العبقري ريشة متجددة، تقريبا كل يوم. دائما مفاجئ. دائما تعتقد أن رسمه سوف يكون ما تعتقد، وأبدا لا يكون ما تعتقد، لأن الطبقة الكاريكاتورية في محمود كانت مثل الطبقة الصوتية عند بافاروتي، دائما في أقصاها، تهزك إذا ارتفعت، وإذا انخفضت، وإذا اتسعت مثل وادٍ مهيب.


تعلقت «بالكاريكاتور» مثل تعلقي بالصحافة، وكنت، ولا أزال، اعتبره في أهمية العناوين الأولى والزوايا. وقبل انضمام محمود إلى «الشرق الأوسط» وأفقها الدولي، كان الكاريكاتور العربي حكرا على مصر، إلا من ريشة بيار صادق في «النهار»، لكن صادق أخذته قضايا لبنان. محمود أخرج الاحتكار من مصر، وصارت الريشة اللبنانية ريشة عربية أيضا، وصارت صحف العالم تنقل رسومه في كل مكان، باعتبار الكاريكاتور تعبيرا لا يحتاج إلى ترجمة أو شرح.


وكان الكثيرون من سياسيي العالم يطلبون أصل الصورة التي يظهرون فيها لكي يحتفظوا بها.


والرسام العربي الآخر (بقدر ما أعرف) الذي تتناقل أعماله صُحف العالم، هو حبيب حداد، في «الحياة». وبين الاثنين شبه شديد، في الريشة وفي الابتعاد عن الاجتماعيات، الأول أفادته لندن في توسيع آفاقه، والثاني أفادته باريس، وكلاهما جاء من طرابلس، التي أعطت الرسم الصحافي ريادات كثيرة، مثل: رأفت بحيري، وعصمت شنبور، وكان رشدي معلوف حذّرني باكرا من أنه «لا أفعل تفضيل في الصحافة». محمود كحيل يغري بخرق القاعدة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com