حروب الحدود السورية ... وترسيمها
حروب الحدود السورية ... وترسيمهاحروب الحدود السورية ... وترسيمها

حروب الحدود السورية ... وترسيمها

وليد شقير

المرحلة الجديدة من الحرب السورية تجري على الحدود والمعابر الحدودية، مهما ارتفعت وتيرة الحديث عن جهود الحل السياسي في بلاد الشام، فكيف الولوج إلى حل سياسي، وكتابة الدستور الجديد دون إقفال الحدود السورية على التدخلات المختلفة، من دول يصعب إحصاء عددها كاملة، في وقت نسمع بأسماء دول جديدة باتت لديها قوات ومقاتلين، تارة تحت ستار الاستطلاع وأخرى تحت مظلة المساعدات الإنسانية، وأخرى للحلول مكان قوات حليفة... هكذا بتنا نسمع بوجود عسكري نرويجي وآخر فرنسي في هذا الشريط الحدودي أو ذاك... إضافة إلى الجيوش الأخرى الكبرى المعروفة في العمق السوري والوسط هنا وهناك؟

المنطق يقول بعكس ترويجات الحل السياسي، فهو يتطلب إلغاء الحدود المفتوحة، التي حولت انتفاضة الشعب السوري إلى حرب نفوذ إقليمي ودولي.

التطورات العسكرية الأخيرة في سورية تتصل بالسيطرة على معابر حدودية، أو بالحؤول دون سيطرة جيوش عليها، فضربة إسرائيل الأحد الماضي، للقوات السورية و «الحرس الثوري» و «الحشد الشعبي» و «حزب الله» في منطقة الهري القريبة من معبر البوكمال بين العراق والأراضي السورية، هدفها منع طهران من مواصلة الإفادة من فتح الحدود لاستقدام المقاتلين والأسلحة والصواريخ، التي تخزن في ثكنات متفرقة في سورية، من طهران عبر العراق وصولًا إلى سورية، ومنها بدرجة أقل إلى لبنان، لأن تخزين سلاح الحزب الرئيسي يتم فيها أكثر من الأراضي اللبنانية.

وتسخين الجبهة الجنوبية الغربية اليومي في بلاد الشام، تمهيدًا لمعركة الجيش السوري والقوات الرديفة، والمقاتلين التابعين لإيران الذين تحايلوا على اتفاق أميركي- روسي، مزعوم بوجوب انسحابهم من هذه المنطقة، عبر «تنكرهم» بلباس الجيش السوري، هدفه السيطرة على معبر نصيب مع الأردن، الحيوي لاقتصاده المهتز منذ إقفاله، عن طريق استعادة الجيش السوري وحلفائه منطقة درعا من قوات المعارضة وفصائل «الجيش السوري الحر»، التي مازالت تحتفظ برقعة جغرافية واسعة فيها، مع نية السيطرة على هذه الرقعة عبر القضم، تدور المناورات فيها بين الدول المعنية بالحرب على منع الميليشيات المدعومة إيرانيًا من توسيعها نحو محافظة القنيطرة، ومنع المواجهات في الجهة الغربية من الجنوب السوري، هذا مغزى التحذيرات الأميركية من توسيع المعركة، ومن هنا الإصرار الإسرائيلي على انسحاب الإيرانيين وميليشياتهم، إلى مسافة 80 كيلومترًا عن الحدود مع الجولان السوري المحتل، ويساند الجانب الروسي وجهة النظر هذه، لالتزامه ضمان أمن إسرائيل، نقطة التقاطع الرئيسة مع واشنطن، وبات التوافق الدولي على إبعاد الإيرانيين عن الحدود مع الجولان غطاء كبيرًا للغارات الإسرائيلية في العمق السوري ومحيط دمشق، آخرها أول من أمس (لم يعلن عنها مثل كثير غيرها) استهدفت تدمير مخازن وبنى تحتية للقواعد الموالية لإيران، طالما أنها لم تنسحب، وغيّر مبدأ حماية حدود سورية مع إسرائيل قواعد الاشتباك، فباتت ضربات الدولة العبرية تتم «بصمت» مخالف للضجيج عن التصدي السوري والإيراني لها، كما حصل قبل 3 أشهر، الضربات صارت تحصل في وضح النهار، وتطاول مستودعات الصواريخ في العمق البعيد تحت شعار حماية الحدود التركية مع سورية، تتم أيضًا التحركات العسكرية لرجب طيب أردوغان في الشمال، وحتى الاتفاقات بينه وبين الأميركيين على تسلم قواته مدينة منبج، المعبر الحيوي في الشريط الحدودي، من القوات الكردية، ولولا حيوية هذا المعبر لما كان سهلًا عودة الوئام الأميركي التركي بدوريات مشتركة هناك، تمهيدًا لحل مماثل في مدينة تل رفعت، يقضي بسحب قوات النظام منها والميليشيات الموالية لإيران منها.

ليس بعيدًا من مبدأ حماية الحدود أيضًا اقتراح فلاديمير بوتين، على رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان سعد الحريري، حين التقاه الأسبوع الماضي، أن يعمل الجيشان اللبناني والسوري على ترسيم الحدود الشرقية (البقاع). الاقتراح جاء وفق التسريبات، في سياق تكرار الحريري مطالبته الرئيس الروسي بذل جهده مع نظام دمشق من أجل عودة النازحين في لبنان إلى سورية، ورد بوتين بأن الترسيم، ثم انتشار الجيش السوري مع تواجد للشرطة العسكرية الروسية، على الجانب السوري، والجيش اللبناني من الجانب المقابل، خطوات تساعد في عودتهم، لأنها تضمن لهم الأمان، كونها تقود إلى انسحاب الميليشيات من قرى عدة يخافون منها، في باطن هذه المواربة هدف إقفال الحدود على إيران والحزب من وإلى لبنان، ولو أن الأمر سيأخذ وقتًا لأن مطبات كثيرة أمامه لبنانية وسورية.

حتى إخراج إيران والحوثيين من مدينة الحديدة اليمنية ومينائها لا يخرج عن سياق ترسيم الحدود الدولية، ترسيم حدود نفوذ طهران السياسي الذي قام على فتح الحدود، يبدأ بإقفالها.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com