الأردن... جزيرة آمنة وسط بحر الربيع العربي
الأردن... جزيرة آمنة وسط بحر الربيع العربيالأردن... جزيرة آمنة وسط بحر الربيع العربي

الأردن... جزيرة آمنة وسط بحر الربيع العربي

فهد الخيطان

في إطلالته الثانية على زمن الربيع العربي، لم يتخلَّ النموذج الأردني عن سماته الخاصة؛ ظل وفياً لقيم السلمية، والتمسك بثوابت الدولة والمجتمع، وصون الاستقرار، دون مغالاة في الشعارات أو تطير في الهتافات.

أسبوع من الوقفات الاحتجاجية في سائر المدن الكبرى والعاصمة، اختصرها إعلاماً واهتماماً مشهد المحتجين ليلاً عند منطقة الدوار الرابع في عمان، حيث مقر رئاسة الحكومة، فيما بدا وكأنه استعادة خاطفة لمشهد سريع من مشاهد الربيع العربي بطبعته الأردنية الخاصة.

مع نهاية عام 2014 تقريباً، كان الأردن طوى ثلاث سنوات من الحراك السياسي الصاخب الذي تفجر على وقع ثورات تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا.

استوعب النظام السياسي بحكمة واقتدار معظم مطالب الناس آنذاك، وأقدم على إصلاحات دستورية وسياسية واسعة، كفلت له عبور العاصفة بسلام وأمان، بينما تكفلت ثورات الربيع العربي، بما آلت إليه من فوضى وحروب وإرهاب، بترشيد خطاب الشارع وتدبير طموحاته.

فما إن استقبل الأردنيون أول دفعة من اللاجئين السوريين، حتى أيقنوا أن الاستقرار والأمن أولى من مغامرة ثورية لن تجلب لهم سوى الخراب.

انتظمت عملية التحول الديمقراطي في البلاد، ودارت عجلة الانتخابات على كل المستويات، وتطورت منظومة ممارسة الحكم في الأردن بشكل ملموس، في وقت استنفرت فيه دول عربية شقيقة لدعم اقتصاده، وتوفير سبل الاستقرار المعيشي لمواطنيه.

بدا أن كل شيء يسير على ما يرام، واكتسب الأردن عن جدارة وصف الجزيرة الآمنة وسط بحر من الحروب والدماء. كان العراق دخل دوامة الإرهاب، وتحولت سوريا ميداناً لحرب إقليمية ودولية طاحنة، وليبيا كانت في نظر العالم مثالاً على كوارث الثورة، واليمن مسرحاً دامياً لمطامع الإيرانيين، وبالكاد نجت مصر من مصير مماثل.

لكن وبينما كانت «الجزيرة الآمنة» تقاتل للصمود، تكالبت عليها ظروف الإقليم، فأغلقت الحروب معابرها التجارية شرقاً وشمالاً، وحاصرت الجماعات الإرهابية حدودها، وفرضت على جيشها البقاء في حالة تأهب، بل وخوض الحرب ضد الإرهاب على مختلف الجبهات.

تصاعدت معدلات البطالة والفقر، وتراجعت مستويات السياحة والاستثمار، وشكل انقطاع الغاز المصري ضربة للاقتصاد الأردني، في وقت سجلت فيه أسعار النفط ارتفاعات شاهقة.

في غضون أربع سنوات فقط، تكبد الأردن ديوناً إضافية قدرت بنحو خمسة مليارات دولار، لسد العجز في فاتورة الكهرباء. وبينما كانت معدلات النمو تراوح عند 2 في المائة أو أقل بقليل، تدفق ما يزيد على مليون لاجئ سوري صوب الأردن.

تعهد المجتمع الدولي بمساعدة الأردن على تحمل أعباء اللجوء، لكن مع مرور الوقت تراجعت المنح والمساعدات، ولم تعد تشكل أكثر من 30 في المائة من احتياجات اللاجئين.

بالنسبة لبلد شحيح الموارد مثل الأردن، وفقير بالمياه والإمكانات الاقتصادية، ويتعرض لحصار اقتصادي، ويخوض حرباً على حدوده مع الجماعات الإرهابية، بدا ذلك كله وصفة لخراب اقتصادي مريع.

نجحت الحكومات المتعاقبة في إدارة الأزمة بالاعتماد على الموارد المحلية والمساعدات الغربية، لكن مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية كان لا بد من إجراءات اقتصادية صعبة لوقف التدهور، وتفادي انهيار الدينار الأردني، فتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج للتصحيح الاقتصادي، يقضي بزيادة الضرائب، وإلغاء الدعم عن السلع الأساسية، كالخبز والمحروقات.

أنجزت الحكومة المستقيلة أخيراً نحو 70 في المائة من متطلبات البرنامج، لكنها اصطدمت بمعارضة شعبية واسعة عندما طرحت مشروعاً معدلاً لقانون ضريبة الدخل يصيب الطبقة الوسطى في مقتل. وفي عز الحملة المناهضة للقانون، اتخذت الحكومة قراراً برفع أسعار البنزين، فكان بمثابة الصاعقة على الناس.

أسباب متراكمة للغضب تفجرت مرة واحدة في وجه الحكومة، لكن الجديد هذه المرة أن فئات محسوبة على الطبقة الوسطى هي من قادت الاحتجاجات، متجاوزة الأحزاب التقليدية والبرلمان.

كان هناك ما يكفي من الانتقادات لطريقة عمل الحكومة ونهجها الاقتصادي، ومقارباتها لكثير من القضايا التي تشغل بال الناس، فاستجمعها المحتجون في لحظة خاطفة لتنظيم دعوات للاحتجاج على رفع وقود السيارات، في حملة حملت شعار «اطفيها وصفها»، وهى دعوة صريحة للمواطنين لركن سياراتهم قرب مقر رئاسة الحكومة. ومع إعلان النقابات المهنية عن تنظيم إضراب عام في البلاد، تطورت شعارات الاحتجاج، واكتسبت طابعاً شاملاً وعاماً، بعنوانين رئيسيين: سحب قانون ضريبة الدخل، واستقالة حكومة الدكتور هاني الملقي.

مثلت ليالي الاعتصام بعد إفطار الصائمين في محيط الرئاسة طرازاً فريداً للاحتجاج السلمي، طغت عليه صورة العلاقة الودودة بين رجال الدرك والمتظاهرين، والمواقف الإنسانية التي صاغت علاقتهم طوال سهرات الأسبوع.

لم تسقط قطرة دم واحدة في عموم البلاد، وباستثناء أربعة أشخاص فقط خرقوا القانون، لم يتم توقيف أحد من آلاف المتظاهرين. كانت ظاهرة فريدة بحق، عندما ينال رجال الأمن الثناء والتقدير على دورهم، بالقدر نفسه الذي ناله المحتجون على شجاعتهم واحترامهم لقيم الدولة والمجتمع.

في اليوم الثالث للاحتجاج، خرج الملك عبد الله الثاني بتصريحات عبر فيها عن فخره كمواطن أردني بما شاهده من سلوك حضاري في الشارع، تبعه ولي العهد الأمير حسين بن عبد الله بزيارة لموقع اعتصام الدوار الرابع، أثنى فيها على جهود الطرفين: رجال الدرك، والشبان المحتجين.

ومع نهاية الأسبوع الماضي، كانت حركة الاحتجاج قد بلغت نهايتها مع إعلان استقالة الحكومة، وتكليف الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومة جديدة. الرئيس المكلف لم يتأخر في إعلان قراره سحب قانون ضريبة الدخل، لينهي بذلك فصلاً قصيراً من أزمة البلاد.

لكن هذه ليست نهاية المتاعب، بل بداية لمرحلة جديدة مليئة بالتحديات والفرص، تستدعي نهجاً مختلفاً في إدارة شؤون البلاد، يراعي حقيقة أساسية مفادها أن سحب «الربيع» لن تفارق سماء المنطقة، رغم دخان الحروب.

الشرق الأوسط

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

Related Stories

No stories found.
logo
إرم نيوز
www.eremnews.com