بحثًا عن "ضحية" للتوافق الأمريكي - الإيراني في العراق
بحثًا عن "ضحية" للتوافق الأمريكي - الإيراني في العراقبحثًا عن "ضحية" للتوافق الأمريكي - الإيراني في العراق

بحثًا عن "ضحية" للتوافق الأمريكي - الإيراني في العراق

عبدالوهاب بدرخان

أزمة الانتخابات الأخيرة في العراق مفتوحة على احتمالات شتّى: استعصاء التوصّل إلى تشكيل حكومة جديدة، إلغاء النتائج والذهاب إلى انتخابات أخرى، صدام شيعي- شيعي مسلّح. المؤسف أن تتجدّد الحاجة إلى الكفالة الأميركية- الإيرانية على رغم الإشارات الواعدة التي انطلقت طوال الأعوام الثلاثة الأخيرة، سواء من الشارع أو من المرجعيات أو أخيراً من صناديق الاقتراع. مرّة أخرى يتبدّى أن الداخل العراقي يرغب في التغيير ولا يستطيعه وحده، أما «الاستعانة بصديق» فمن المؤكّد أنها تعيد الوضع إلى دوامة الفشل والعجز. ولا تكمن المشكلة حالياً في فريق واحد من دون سواه، فالفريق التابع لإيران يتجاهل الإقرار بوجود واقع سياسي مختلف ويريد أن يبقى مهيمناً على الحكم، ولا مانع لديه في تحالف واسع من دون مقتدى الصدر وتياره. وهذا شرط شارط لدى إيران تلتقي عليه مع الولايات المتحدة التي سبق أن قاتلت مقتدى ولا تزال تتبادل معه انعدام الثقة، وعلى رغم التقائها الضمني على تقويم سلبي لكتلتَي نوري المالكي و «الحشد الشعبي» إلا أنها لن ترتاح إلى تحالف حكوميّ يتمتّع الصدر بزعامته، سواء لأسباب أميركية خاصة أو لأنها تحبّذ حكومة متورّطة في صراع من إيران وأتباعها.

ثمة تشابه بين سيناريوَي ليبيا 2014 والعراق 2018، على رغم وجود «دولة» لم تتخذ بعد شكلها المستقرّ في بغداد. وفيما تمكن مقارنة الانقسامات العميقة داخل البلدَين إلا أن الفوارق الكبيرة في ظروفهما تمنع انقسام العراق جغرافياً وسياسياً وعسكرياً، كما هو حاصل في ليبيا. لكن خلاصة المواقف من الانتخابات تفيد بأن الفريق التابع لإيران يرفض، إسوةً بإسلاميي طرابلس، نتائجها لأنها لم تأتِ لمصلحته، ويرفض الاعتراف بالرسالة السياسية التي انبثقت من صناديق الاقتراع، وبالتالي يرفض أي تغيير في صيغة الحكم وإدارة الدولة، ولا يعنيه التحوّل إلى معارضة امتثالاً للعبة «ديموقراطية» لم ينخرط فيها أصلاً إلا بعدما أمكنه تطويعها. الفارق بين بغداد وطرابلس أن اللاعبَين الأميركي والإيراني ممسكان بخيوط اللعبة في الأولى، فيما «تطمح» الثانية إلى وضع مماثل إلا أن الولايات المتحدة لا تبدو مهتمّة، تحديداً بسبب تعدّد اللاعبين (أوروبيين وعرب وأفارقة) في ليبيا، وبالتالي عدم وجود طرف إقليمي (معادل لإيران) يفرض نفسه وتضطر أميركا لأن تتقاسم معه «الوصاية» على ليبيا.

يمكن وصف الفريق الآخر بـ «العراقي» أولاً، لاستحالة اختزاله بـ «العربي» أو «الأميركي» أو حتى «المناوئ لإيران»، وهو يريد أن يفتح صفحة جديدة لـ «عرقنة» الدولة والحكم ولتصحيح العلاقة بين مكوّنات المجتمع وتطبيع العلاقات مع الجوار العربي. الأهم أن الفريق «العراقي» حقّق صعوده في الانتخابات بناء على أمرَين: 1) عزمه على الانكباب على الشأن الاجتماعي بتفعيل التنمية وتطوير خدمات الدولة وتوفير فرص العمل، و2) استيعابه دروس المحنة القاسية التي نجمت عن ظهور تنظيم «داعش» وانتشاره ووجوب إعادة إعمار ما دمّر في سياق ضربه واقتلاعه من مناطق سيطرته. في الحدّ الأدنى يُحسب لهذا الفريق، الذي يجمع موضوعياً تيارات حيدر العبادي ومقتدى الصدر (والعلمانيين المؤتلفين معه) وأياد علاوي وعمّار الحكيم، أنه أبدى وعياً بصعوبات يعانيها الشعب وتحسّساً بطموحات يتطلّع إليها. ولا بدّ أن الحراك الشعبي (بدءاً من منتصف 2015) شكّل خلفية لتبلور هذا الفريق واعترافه بأن الفساد بات أحد أخطر وأسوأ أمراض العراق. ومع أن كثيرين لا يبرّئون أي طرف من الولوغ في هذا الفساد، ولو بدرجات متفاوتة، إلا أن أداء عدد من أطراف هذا الفريق وتقاربها مع توجهات المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني يتيحان الرهان على «العراقي» ومحاسبته إنْ هو أخلّ بتعهّداته.

الحياة

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com