هاجر لا تصدق

هاجر لا تصدق

ما زالت السيدة هاجر غيفن، ترقد في المستشفى لليوم الخامس على التوالي ولا تصدق ما جرى لها.. يحسبونها تهذي وهي تطرح التساؤل تلو الآخر عما جرى لليهود، حتى باتوا يقتلون بعضهم بعضا.

تتحسس هاجر جسدها ولا تصدق أنها ما زالت على قيد الحياة، تتفرس في وجوه الأطباء اليهود والعرب في مستشفى إسرائيلي، حظر نشر اسمه حتى لا تتعرض لاعتداء آخر يقضي عليها هذه المرة بشكل نهائي، ويستعصي عليها الوثوق بأي منهم.

عمرها سبعون سنة، تعاني من كسر في أحد ضلوع صدرها، ومن ثقب في الرئة، ومن رضوض في كل أنحاء جسدها، وتشعر بإنهاك شديد، وكلما تغمض عينيها لترتاح قليلا، تنقض عليها صور أولئك الشبان وهم يهاجمونها بالعصي ويطعنونها بالسكين ويشتمونها بأقذع الشتائم باللغة العبرية، فتصيح من قحف راسها وتبكي، ولا تهدأ إلا عندما تأخذ حقنة تخدير جديدة. وتغيب عن الوعي.

الدكتورة هاجر غيفن هي باحثة ومحاضرة جامعية متقاعدة، تعتبر نفسها يهودية وصهيونية، لكنها تنتمي إلى تيار يساري منذ سنين طويلة وتقف ضد الاحتلال وممارساته الإجرامية ضد الفلسطينيين، تنتمي إلى مجموعات من المنظمات الحقوقية والإنسانية في إسرائيل التي لا تكتفي بالكلام، بل تساهم بشكل عملي في التضامن مع الفلسطينيين ضد الاحتلال وضد المستوطنين المتطرفين، وتعتبر الاحتلال أكبر عدو لإسرائيل وللشعب اليهودي.

في يوم الأربعاء الماضي، توجهت سوية مع 20 مواطنا إسرائيليا إلى بلدة كيسان الفلسطينية في قضاء بيت لحم، وهذه ليست زيارة تضامن عادية، فقد جاؤوا بالتنسيق مع منظمة "فزعة" الفلسطينية، لمساعدة المزارعين على قطف محصولهم من الزيتون.

وهذه المساعدة أيضا لم تكن مصادفة؛ ففي موسم قطف الزيتون من كل سنة، ينفلت مئات المستوطنين المتطرفين في الكروم الفلسطينية ويعيثون فسادا، يقتلعون الأشجار، يسرقون المحصول، يرشون المواد السامة على الغصون والثمار، أما الجيش الإسرائيلي فيحمي هؤلاء المستوطنين عادة، ولا يسمح للفلسطينيين أن يدافعوا عن أنفسهم ومواجهة اعتداءاتهم.

حاولت أن أتعرف أكثر على هاجر، عن طريق "الصديق غوغل"، باللغة العبرية، فكانت أول مادة أمامي، لمجموعة من اليهود المتطرفين الذين ينظمون الاعتداءات على الفلسطينيين على من يساندهم من اليهود، وهذا ما كتبوه" العنوان: "تعرف على الخونة"، وهنا ينشرون أسماء وصور العديد من الشخصيات اليهودية الناشطة ضد الاحتلال وبينهم د. هاجر غيفن، التي يضيفون عنها: "هي ناشطة ميدانية في منظمة "محسوم ووتش".

تم توثيقها وهي تحرض الفلسطينيين في غور الأردن ضد المستوطنين وجنود الجيش الإسرائيلي، تشوش على حياة المستوطنين وتشجع رعاة المواشي الفلسطينيين على تحدي المستوطنين واستفزازهم، تدّعي أن غور الأردن هو منطقة تابعة للدولة الفلسطينية وليس لإسرائيل، وتسلب الجيش الإسرائيلي حقه في العمل الشرعي، وتساند منظمة يهودية أخرى مغروسة في صفوفنا، هي منظمة "جنود يكسرون الصمت" المعادية لإسرائيل، وتخترع اتهامات غير قائمة، وتقدم شكاوى ضد الجيش.

من نافل القول إن هذا التعريف، المنتشر بكثرة في صفوف المستوطنين، هو أكبر تحريض على قتل هاجر. فهي حسب منطقهم خائنة لشعبها. ومع ذلك، حضرت إلى كروم الزيتون الفلسطينية، سوية مع رفاقها المتضامنين، وكان في استقبالهم مجموعتان، فلسطينيون يرحبون بهم ويشكرونهم على التضامن النبيل، وثمانية مستوطنين يحملون العصي، وقد شوهد أحدهم وهو يستدعي آخرين، حسبوا أنهم يستدعون الجيش لمنعهم من التضامن، لكن مَن حضر هم حوالي عشرين مستوطنا آخرين، كانوا ملثمين ومسلحين، اثنان منهم يحملان البلطات، وراحوا يعتدون عليهم بوحشية.

في مرحلة ما، انسحب الفلسطينيون والمتضامنون، لكن د. هاجر لم تستطع الهرب؛ سنّها وجسدها لم يسمحا لها بالهرب، وراحت تصور المشهد: "قلت في نفسي إنهم يهود ولن يعتدوا عليّ، لكنني أخطأت التقدير، ضربوني بحقد جنوني، شتموني وأهانوني وأوقعوني أرضا، ورفسوني وضربوني بالهراوات، وأحدهم غرز سكينا في جسدي النحيل، وعندما تركوني قالوا: لو كنت عربية لقتلناك".

بعد ساعتين، حضرت قوات الشرطة الإسرائيلية، سجلت تقريرا وبرحت المكان.. وفي اليوم التالي من هذا الاعتداء، قام مجموعة من المستوطنين في مكان آخر، قرب نابلس بهجوم مشابه على الفلسطينيين في مفرق حوارة، فرد الفلسطينيون الصاع صاعين، وحضرت قوة عسكرية "للتفريق بين الطرفين" فهاجم المستوطنون الجنود وأصابوا قائد الفرقة وأحد ضباطه بجراح دامية، وأعلن رئيس أركان الجيش أن هؤلاء زعران، وأعلن وزير الأمن الداخلي أنهم إرهابيون يهود.

لكن رئيس الحكومة يائير لبيد ووزير الدفاع بيني غانتس قالا إن هؤلاء هم قلة قليلة لا يمثلون جموع المستوطنين. وفي اليوم التالي، أجريت صلحة بين الجيش والمستوطنين وعاد الجنود يحمون المستوطنين.

هذه هي إسرائيل 2022. في الماضي قالوا إن "إسرائيل جيش له دولة"، واليوم ينبغي أن يقال "إسرائيل مستوطنون لهم دولة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com