شيوخ الطرب

شيوخ الطرب

في الوقت الذي تعيش فيه إسرائيل معركة انتخابات جديدة، (الثلاثاء، مطلع نوفمبر 2022)، هي الخامسة في غضون 3.5 سنة، ولا يفلح فيها أي حزب جمع ثلاثمئة شخص في مهرجان انتخابي واحد، حالفنا الحظ لأن نكون جزءًا من حوالي 1100 شخص حضروا حفلًا فنيًا راقيًا في مدينة الناصرة، هو عبارة عن أوبريت للأغاني الطربية من الزمن الجميل.

ونقول "حالفنا الحظ"، لأن التذاكر نفدت قبل أسبوعين من العرض.. وخلال العرض انجلى سبب هذا التدفق على العمل المسرحي الاستعراضي المميز، فالناس يحملون همومًا تزيد على طاقات الاحتمال، ويحتاجون لساعات فرح حقيقي. وليس هذا فحسب، السياسة والسياسيون، الذين يفترض بأنهم القادة الذين يبشرون الناس بالفرح، أو على الأقل يوفرون للناس بوارق الأمل، باتوا متعبين.

ما زلت أذكر المهرجانات السياسية والانتخابية التي كانت تستقطب عشرات ألوف الناس، كان اسم مثل إميل حبيبي، الأديب والصحفي والقائد السياسي، يستقطب الجماهير ليستمعوا إليه في أحلك الظروف، حتى عندما كان الحكم العسكري الإسرائيلي يفرض القيود ويبطش بمن يستمع إليه.

يتدفقون بالألوف، ليتجلى أمامهم بخطاباته الحماسية، يبكيهم تارة ويضحكهم طورًا، يحاكي عندهم الوجدان والضمير، ويرفع لهم المعنويات، ويزودهم بالقصص والمعلومات، ويضخ فيهم ثقافة الإقدام والشجاعة، ويعبئهم بالروح النضالية، والأهم يغديهم بالأمل، يصفقون ويهتفون، ويعودون إلى بيوتهم مشحونين بالطاقات.

وأذكر مهرجانات الخمسين ألفًا، التي كانت تُقام عندما برز قائد جديد على طريق إميل حبيبي، هو الشاعر والقائد والمناضل توفيق زياد، الذي انتخبه أهل الناصرة رئيسًا للبلدية طيلة 19 سنة متتالية، وعضوًا في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) طيلة 20 عامًا.

لقد حاولت أوساط إسرائيلية اغتياله 3 مرات، للتخلص من تأثير خطابه السياسي وأعمال الكفاح التي قادها سوية مع القيادات العربية الأخرى، مثل يوم الأرض، والتضامن مع الانتفاضة، وغيرهما، أو من تأثير شعره المقاوم، وهو صاحب قصيدة "على صدوركم باقون كالجدار"، و"أناديكم، أشد على أياديكم وأفديكم".. وقد جاءت وفاته المأساوية بحادث طرق أليم، في العام 1994، عندما عاد من استقبال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في أريحا.

اليوم لا توجد مهرجانات شبيهة بما كان، ولا يوجد قادة بهذا القامة، ليس عند فلسطينيي 48 فحسب، بل أيضًا عند اليهود في إسرائيل، والانتخابات كالحة، وضحلة المضمون، وضعيفة الطاقة، وقبل أن يتم إجراؤها، باتوا يستعدون لانتخابات سادسة بعد عدة شهور.

لذلك، كانت حفلة فرقة "سراج" الراموية (نسبة إلى بلدة الرامة الجليلية التي نشأت وأبدعت على سفوح جبالها)، بمثابة الطاقة البديلة التي تزودنا بها عشية تلك الانتخابات، حملت اسم "شيوخ الطرب"، والقصد هم أولئك الفنانون العباقرة الذين أسسوا لإبداعات العرب في الموسيقى في القرن الماضي: سيد درويش، وزكريا أحمد، ومحمد القصبجي، وسيد مكاوي.. وغيرهم. وفرقة سراج تأسست في العام 2004، بقيادة الناشط زهير غنادري.. إنه بالأساس صاحب مختبر لصناعة الأسنان، لكنه من هؤلاء الناس ذوي العطاء، الذين لا يهدأ لهم بال دون أداء عمل ما في خدمة مجتمعه.

التحم مع الفنان سامر بشارة، عازف القانون الذي وصل إلى العزف مع فنانين كبار من العالم العربي، مثل وديع الصافي، وعبد الله رويشد، وأقاما هذه الفرقة. وسامر، مدير الفرقة والمايسترو يعتبر مهندس موسيقاها العذبة، وقائد ما يزيد على 40 عازفًا ومطربًا ومنشدًا، وأسماه المضيف بشارة مرشي بحق "مايسترو الجمهور"، الذي عرف كيف يدمج الحضور بالأغاني وهو يرقص طربًا، على أنغام "لما بدا يتثنى" و"ليلة العيد" و"هو صحيح الهوى غلاب" و"حلاوة الدنيا".

وشيخ الطرب في هذه الليلة هو الأديب والفنان والممثل، عامر حليحل، الذي كان ذا قامة شامخة وأداء قدير حليم وحميم وخفة دم آسرة، هو الذي كتب النص.. لكي يخرج عن روتين الحفلات الموسيقية الساهرة، استحضر شخصية وهمية "الشيخ يونس" مبعوثًا لشيوخ الطرب الكبار حتى يصححوا الأداء ويدخلوا فيه الروح والحياة، ويمنعوا تحويله إلى غناء جاف.

وقد أتخم الحضور بمعلومات وروايات وقصص عن مسيرات الفنانين الكبار، وتضحياتهم، ومباذلهم، ونجاحاتهم، واخفاقاتهم، وخلافاتهم، وتوافقاتهم. كل ذلك عن مصر، وباللكنة العربية المصرية، وفي قلب الناصرة. وقد أضفى الفنان أيمن نحاس، مخرج هذا العمل، روحه الجميلة على العمل ليجعله حفلًا غير عادي وغير تقليدي، ليلة فرح بكل معنى الكلمة.

وطوبى لصانعي الفرح.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com