الصين وروسيا.. التجارة إلى الأمام

الصين وروسيا.. التجارة إلى الأمام

عام 2022 كان عاما استثنائيا بامتياز حيث ارتفع حجم التجارة الثنائية بين الصين وروسيا بنسبة تقترب من الثلث في العام الماضي.

تتوجه الأنظار العالمية حاليا إلى موسكو، حيث زار الرئيس الصيني شي جينبينغ موسكو والتقى خلالها نظيره فلاديمير بوتين، ومن المؤكد أن تكون لنتائجها المعلنة و/أو السرية تداعيات لا يستهان بها على صعيد العلاقات الثنائية بين البلدين، وعلى مستوى علاقات الصين مع الغرب، وربما كذلك على اتجاهات الحرب والسلام في أوكرانيا.

بالنسبة للصين، وعلى الرغم من موقفها الحذر عسكريا ودبلوماسيا وحتى اقتصاديا من الأزمة الأوكرانية، إلا أن الرئيس شي اختار روسيا مرة أخرى المحطة الأولى في زيارته الخارجية بعد انتخابه كرئيس للصين، الأمر الذي يعكس بالكامل صداقة شخصية عميقة بين شي وبوتين، والأهمية الكبيرة التي يوليها للعلاقات الصينية الروسية في الحقبة التي بات يطلق عليها العديد من القيادات الصينية "العصر الجديد".

وفي المقابل، تنظر القيادة الروسية إلى الصين باعتبارها قوة عالمية صديقة لا يمكن الاستغناء عنها، وينبغي تعزيز العلاقات الإستراتيجية معها، وشريان حياة اقتصادي يخفف من تأثيرات العقوبات الأمريكية والأوروبية الشاملة وغير المسبوقة، وخروج الشركات الغربية من السوق الروسية، علاوة على إبعاد البلاد عن النظام المالي العالمي.

في الواقع ينبغي القول إن العلاقات التجارية بين الصين وروسيا نمت بشكل ملحوظ خلال العقدين الماضيين، حيث تضاعفت أكثر من 5.6 مرة في الفترة 2003-2013، لتصل إلى نحو 89.3 مليار دولار مع قدوم الرئيس شي للحكم، ومن ثم تضاعف مرة أخرى خلال فترة رئاسته وتقترب من 200 مليار دولار في العام الماضي، بزيادة 116% عن عشر سنوات مضت، في حين حافظت الصين على مركزها كأكبر شريك تجاري لروسيا لمدة 13 عاما على التوالي.

مع ذلك يمكن القول إن عام 2022 كان عاما استثنائيا بامتياز حيث ارتفع حجم التجارة الثنائية بين الصين وروسيا بنسبة تقترب من الثلث في العام الماضي، ليصل إلى مستوى قياسي جديد أو ما يقارب 190.3 مليار دولار. وفي المحصلة عززت بكين مكانتها كأهم شريك اقتصادي لموسكو، في حين انضمت روسيا الى قائمة أكبر 10 شركاء تجاريين للصين.

كانت روسيا ثاني أكبر مورد للغاز عبر خطوط الأنابيب للصين بعد تركمانستان، حيث ضخت 15.5 مليار متر مكعب، أي 25% من واردات الصين، و15% من صادرات روسيا.

طبعا نتيجة 2022 كانت ممكنة من خلال مزيج من عاملين أساسيين، الأول هو التغيرات العالمية في وضع التجارة الخارجية، التي أثارها الوضع في أوكرانيا، وفرض عقوبات ضد روسيا من قبل الدول الغربية، والثاني هو الارتفاع اللاحق في أسعار المواد الأولية (النفط والغاز بشكل أساسي)، والتي تشكل أساس الصادرات الروسية.

بالفعل، في مجال الطاقة أصبحت الصين أكثر أهمية لروسيا، خاصة مع فقدانها الأسواق الغربية تدريجيا، في العام الماضي، كانت روسيا ثاني أكبر مورد للنفط الخام للصين بعد السعودية، حيث صدرت 1.7 مليون برميل يوميا، وهو ما شكل نحو 17% من إجمالي واردات الصين (ارتفاعا من 16% في عام 2021) و35 % من صادرات روسيا (ارتفاعا من 31% في عام 2021).

ولم تظهر حتى الآن علامات على تراجع شهية الشركات الصينية لشراء النفط الخام الروسي خاصة مع الخصومات السعرية التي تحصل عليها تلك الشركات، بالفعل فقد تفوقت روسيا على السعودية لتصبح أكبر مورد نفط للصين في الشهرين الأولين من عام 2023، بعد أن اقتربت صادراتها من حاجز المليونين برميل يوميا وفقا لبيانات الحكومة الصينية.

في حين كانت روسيا ثاني أكبر مورد للغاز عبر خطوط الأنابيب للصين بعد تركمانستان، حيث ضخت 15.5 مليار متر مكعب، ما يمثل 25% من واردات الصين (ارتفاعا من 24% في عام 2021)، و15% من صادرات روسيا (ارتفاعا من 5% في عام 2021).

وقد احتلت روسيا المركز الرابع كأكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للصين، بعد أستراليا وقطر وماليزيا، حيث قدمت 6.5 مليون طن، وهو ما يمثل 10% من واردات الصين (ارتفاعا من 6% في عام 2021) و20% من صادرات روسيا (ارتفاعا من 17% في عام 2021).

من المتوقع أن يصل التبادل بين الصين وروسيا إلى مستويات جديدة مع نهاية العام الحالي.

أما على صعيد سوق الفحم، فقد كانت روسيا ثاني أكبر مورد فحم للصين، بعد إندونيسيا، حيث وردت 68.1 مليون طن، وهو ما يمثل 23% من واردات الصين (ارتفاعًا من 18% في عام 2021) و32% من الصادرات الروسية (ارتفاعا من 25% في عام 2021).

بخلاف الطاقة، أدى خروج الشركات الأوروبية والأمريكية من روسيا إلى إعطاء السوق الاستهلاكية الروسية، التي تحتل المرتبة 12 في العالم من حيث الإنفاق كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي،  فرصة ذهبية للمصدرين الصينيين، لقد زادت صادرات الصين من المنتجات الميكانيكية، والكهربائية، والتكنولوجية، والسيارات، والهواتف الذكية، والمنتجات الزراعية بنسب تتراوح بين 9% الى 75%.

في المقابل، تستخدم الشركات الروسية العملة الصينية بشكل مضطرد لتسهيل زيادة التجارة مع الصين، ولحمايتها من مخاطر العقوبات الغربية. وعليه برز اليوان باعتباره العملة الأجنبية الأكثر تداولا في بورصة موسكو خلال الشهر الماضي، علاوة على ذلك، تحسب روسيا الآن فواتير صادراتها بالروبل واليوان بنحو 50%، مقارنة بنحو 10.5% فقط قبل عام واحد فقط.

ومن المتوقع أن يصل التبادل بين الصين وروسيا إلى مستويات جديدة مع نهاية العام الحالي، فقد ارتفعت التجارة بين روسيا والصين بنحو 26% لتصل إلى حوالي 34 مليار دولار في الشهرين الأولين من عام 2023، وإذا ما استمر هذا التوسع على مدار العام بأكمله بمعدلات النمو نفسها، من المرجح أن يدفع ذلك إجمالي التجارة بين روسيا والصين لعام 2023 إلى اختراق حاجز الـ200 مليار دولار، وتحقيق الهدف الذي حدده كلا البلدين عام 2019 قبل عام من موعده (أو 2024).

مع ذلك، ينبغي الاعتراف بأن الزيادات السريعة في التجارة واختراقات السوق، كما حدث خلال عام 2022، من غير المرجح أن يتكرر مرة أخرى لعدة أسباب أهمها عدم إمكانية ارتفاع أسعار الطاقة بنفس القدر من العام الماضي، وسط مخاوف الأزمة المصرفية/الاقتصادية العالمية، لكن العديد من الاقتصاديين الروس والصينيين يعتبرون أن زيادة التجارة الثنائية 15-20% تعد هدفا واقعيا ويمكن تحقيقه بحلول نهاية عام 2023.

أخبار ذات صلة
بوتين: نحترم مقترحات الصين لحل الصراع في أوكرانيا

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com