أسباب رواج تحريم المعازف والغناء وأثره

أسباب رواج تحريم المعازف والغناء وأثره

يكثر الجدل في المجتمعات المسلمة، وخاصة في مواقع التواصل، حول حكم الغناء والمعازف، والمؤسف أن يتحول ذلك الاختلاف والجدل إلى تنابز واتهام وكراهية وشحناء، مع أنها مسألة من المسائل الفقهية الفرعية التي اختلف فيها الفقهاء قديمًا وحديثًا، فمنهم المُبيح والكاره والمحرم، وألف فيها كثير من الكتب مطولة ومختصرة.

فألف في الإباحة ابن قتيبة الدينوري، وأبو منصور البغدادي، وابن طاهر المقدسي، والغزالي، والأدفوي، وابن دقيق العيد وغيرهم، وألف في التحريم أو الكراهة أبو الطيب الطبري، والطرطوشي، وابن الجوزي، والقرطبي وابن القيم، كما ألف فيها عدد من الكتب كذلك في العصر الحديث.

ورغم كثرة المؤلفات فيها، إلا أن البعض لديه لبس في حكمها، ولن تزول مظاهر الشحناء فيها حتى يزول ذلك اللبس واللغط في اعتبارها من المحرمات جملة وتفصيلا، إذ لايزال البعض في حيرة من أمره فيها، ولذلك اللغط وتلك الحيرة أسباب أبرزها فيما يظهر هو ما يأتي:

أولاً: تكريس نشر القول بالتحريم في العقود الأربعة الماضية في المدارس والمساجد ومختلف المنابر المتاحة وترسيخ الأخذ بالتحريم تقليدا وتعصبا بكثير من التهييج العاطفي والترهيب المبالغ فيه وكأنها من المسائل المتفق على تحريمها بين الفقهاء، ولقد ساعد على توسع ذلك الرأي استغلال وتوظيف ما قد يوجد من مظاهر مخالفة يتفق الجميع على كونها مخالفة وتقع في بعض الحفلات هنا أو هناك.

لقد أدى تكريس الرأي الواحد والتعصب له تقليدا إلى غياب معرفي عام للقول بالإباحة وتولد عن ذلك الكثير من الخلل في الحاجات الفطرية والأفعال والقيم الأخلاقية والتربوية والثقافية والتناقض المؤدي للفصام السلوكي في المجتمعات.

ثانياً: اعتماد من يؤيد القول بالتحريم على ترويج الكثير من الأحاديث والآثار الضعيفة أو البعيدة عن موضوع المسألة والمغالطات حتى أصبح التطويل والحشو سمتين غالبتين لما يقال أو يكتب تبريرا للقول بالتحريم المطلق، واتخذ ذلك المد تأويل الأحاديث والآثار المبين للإباحة مستساغا، وكل ذلك إنما يدل على ضعف الحجة الصحيحة للقول بالتحريم، فكانت محاولة التشغيب بالغث هي الوسيلة الأسهل للتشويش على الخلاف في المسألة كيفما كان.

ثالثاً: السعي بترويج فكرة إنكار الغناء والمعازف على أنه منكر مطلقا حتى في الأفراح والمناسبات السارة بل وفي منع السلام في مرافق التعليم، ومصادرة حق المختلفين معهم الذين يأخذون برأي فريق من الفقهاء واستبدلت مظاهر السرور في المناسبات السارة والأفراح إلى مواعظ وإنذار وتحذير واستنكار لذلك واستبعد كل ما هو مألوف من مظاهر اللهو المباح، وأهملت القاعدة المتفق عليها بين الفقهاء التي تنص على عدم جواز الإنكار في المسائل المختلف عليها وأصبح إنكار ذلك الأمر محتما يدعى إليه حتى وقع نتيجة ذلك الكثير من الأمور المسيئة في المجتمعات حتى بين ذوي القربى بحجة إنكار المنكرات.

لقد تأثر كثير من أبناء تلك الحقبة في تكوينه المعرفي والتربوي والسلوكي بسبب ذلك المد المتجني، ولذلك كانت الصدمة بمعرفة الخلاف فيها صدمة كبيرة، والحيرة منه مثيرة، ولا يزال المجتمع يعاني من آثار ذلك المد خاصة أن فريقًا من أتباع ذلك المد ما زال مستميتا للسير على تلك الوتيرة..

لقد أضر ذلك المد المتجني بالمجتمعات في حقوقه وحقوق الشريعة لمساس هذه المسألة بحياة المجتمعات اليومية، إذ أهمل ذلك المد المتجني ما يجب من أحكام الاختلاف وآدابه، وفرط في أمانة الكلمة والنقل، وأخل بمنهجية البحث العلمي وآداب الحوار، وتجنى على حقوق الفطرة حين استدرك على كمال الرسالة وهذا يجسد معنى التنطع الذي قال فيه رسول الله: (هلك المتنطعون).

لقد فطر الله الناس على الميل للتعبير عن فرحهم وسرورهم، وعلى الميل للترويح عن نفوسهم بشيء من مظاهر الفرح، ولم يُؤمر الخَلقُ بالجد في كل حين، بل شُرع الترويح وبث السرور في الأعياد والأعراس والمناسبات السارة ويُعد الغناء والمعازف من أقدم وسائل بني آدم للتعبير عن أفراحهم، والتخفيف من مَللهم..

فجاء دين الإسلام وسَطًا بين الإفراط والتفريط، موافقًا لفطرة الإنسان ولم يصادمها، بل أكدها وأقرها، لذلك نراه يبيح للمسلمين أن يفرحوا بشيء من اللهو المباح في مناسبات الأفراح، بل إنه يعد في العرس والعيد من المستحبات.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com