سفر النساء للمناسك دون محرم

سفر النساء للمناسك دون محرم

روى البخاري وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله: (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم)، وروي في معناه أحاديث مقيدة بمسيرة يوم وبعضها بيومين وبعضها بثلاث ليال.

وادعى بعض الفقهاء الإجماع على عدم جواز سفر المرأة للحج بغير محرم، ولا صحة لذلك، فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين:

أحدهما: لا يجوز للمرأة أن تحج دون محرم، سواء كان حج الفريضة أو النافلة، وهو قول: الحنفية، والحنابلة.

الثاني: يجوز للمرأة أن تحج دون محرم مع نسوة ثقات أو رفقة مأمونة لأداء فريضة الحج أو فريضة العمرة.

وهو قول: المالكية، والشافعية، والظاهرية وجماعة من الفقهاء كثر.

وفي رواية عن الامام أحمد نقلها الأثرم عنه قال: لا يشترط المحرم في الحج الواجب، وعلل ذلك بقوله: لأنها تخرج مع النساء، ومع كل من أمنته.

وقد عمل الصحابة بذلك، روى البخاري في صحيحه أن عمر أذن لأزواج النبي في آخر حجة حجها، فبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن.

 فقد اتفق عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف ونساء النبي على ذلك، ولم ينكر غيرهم من الصحابة عليهن في ذلك، قال ابن حجر: وهذا يعتبر إجماعا.

ويشهد لصحة هذا ما رواه الشيخان عن عدي بن حاتم، قال: قال صلى الله عليه وسلم: (فإن طالت بك حياةٌ لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلا الله).

 وهذا الخبر يدل على الجواز لأنه سيق في معرض المدح.

وروى نافع بسند جيد قال: كان يسافر مع عبد الله بن عمر موليات ‏له ليس معهن ‏محرم.‏ والمولاة هي الأمة المعتقة التي لم يعد سيدها محرما لها.‏

وهذا مذهب عائشة‏ فقد أخبرت بأن أبا سعيد الخدري ‏يخبر عن ‏رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل للمرأة أن ‏تسافر ثلاثة ‏أيام إلا ومعها ذو محرم، فالتفتت إلينا عائشة فقالت: ‏ما كلهن لها ‏ذو محرم).‏ أخرجه البيهقي ‏والطحاوي‏ بسند صحيح.

وعملت بذلك حين خرجت للإصلاح بين المسلمين في الفتنة.‏

وروى مسلم عن أنس قال: كان رسول الله -صلى الله عليه ‏وسلم‏‏-‏‏ ‏يغزو بأم سليم، ونسوة من الأنصار معه، إذا ‏غزا ‏يسقين ‏الماء ‏ويداوين الجرحى.

فلو كان لهن محارم لنسب أخذهن إلى محارمهن وليس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ورد في غيرهن ممن خرجن للغزو مع محارمهن.

قال الإمام الباجي بعد نقل أقوال الفقهاء في ‏سفر المرأة للحج دون محرم: (ولعل هذا الذي ذكره بعض ‏أصحابنا إنما هو في حال الانفراد والعدد اليسير، فأما القوافل ‏العظيمة والطرق المشتركة العامرة المأمونة فإنها عندي مثل البلاد ‏التي يكون فيها الأسواق والتجار فإن الأمن يحصل لها دون محرم ‏ولا امرأة، وقد روي هذا عن الأوزاعي).

‏ قال ابن الملقن في الإعلام: المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يُشترط المحرم في سفرها للحج.. وبه قال عطاء وسعيد بن جبير وابن سيرين ومالك والأوزاعي.

وإليه ذهب ابن تيمية، وفي (الاختيارات) للبعلي قال: وتَحُجُّ كل امرأة آمنة مع عدم محرم.

قال أبو العباس: وهذا مُتوجِّه في سفر كل طاعة أ.هـ. ‏قال النووي: وقال بعض أصحابنا: يلزمها بوجود نسوة أو امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة.

وقال البندنيجي: قال بعض أصحابنا: يجوز بغير نساء ولا امرأة إذا ‏كان الطريق آمناً، وبهذا قال الحسن البصري وداود.‏ وقد أفتى بجوازه كثير من الفقهاء المعاصرين. ‏

فنهي النساء عن السفر إلا بمحرم ليس نهيا مقصودا لذاته وإنما لعلة ‏الأمن فمتى تحقق الأمن جاز سفرها، والأصل في أحكام العادات والمعاملات الاعتبار بالمعاني والمقاصد، أما العبادات فالأصل فيها التعبد والامتثال.

ولا ريب أن النهي عن سفر المرأة بغير محرم ليس أمرا تعبديا بل له معنى معقول وهو تحقق أمن الطريق للمرأة، وهو اليوم متحقق أعظم من ذي قبل، فالسفر اليوم لم يعد كالسفر في الماضي في مخاطره، بل أصبح عبر وسائل النقل الحديثة أكثر أمنا، كالبواخر والطائرات، والقطارات، والسيارات، ففيها يجتمع العدد الكثير من الناس في العادة، وجميعها يخرج في مسارات محددة ومتتابعة ولا ينقطع المسافر فيها عن ذويه.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com