السعودية وروسيا والحظر النفطي الأوروبي

السعودية وروسيا والحظر النفطي الأوروبي

روّجت أوساط اقتصادية، مؤخراً، تكهنات بأن المنافسة بين السعودية وروسيا يمكن أن تشتد مع الحظر الذي من المقرر أن يطبقه الاتحاد الأوروبي على واردات النفط الخام الروسي المنقولة بحرا في الخامس من ديسمبر/كانون الأول، مما يدفع موسكو إلى طرح المزيد من النفط للمشترين الراغبين، مثل الصين والهند أو دول آسيوية أخرى.

في الواقع كثفت روسيا شحنات النفط إلى آسيا منذ أن فرضت أوروبا عقوبات شاملة، لكنها لا تزال بحاجة إلى إعادة توجيه أكثر من ربع صادراتها من النفط الخام بعيدا عن أوروبا، أو حوالي 1.3 مليون برميل يوميا، عندما يدخل الحظر حيز التنفيذ.

بناء على ذلك، توقع تقرير حديث صادر عن مركز الملك عبد الله للدراسات والبحوث البترولية أن "أحد الآثار المباشرة للتحول العالمي المفاجئ وغير المتوقع في إمدادات النفط الخام للسعودية هو خسارة قصيرة الأجل في حصص السوق في الهند والصين".

هذا الأمر أعاد تسليط الضوء عليه أمين ناصر، رئيس شركة أرامكو السعودية العملاقة، خلال مشاركته أخيرا في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، بالقول إن سوق النفط العالمية تتكيف بالفعل مع العقوبات المفروضة على روسيا، حيث تعيد موسكو توجيه تدفقات الخام إلى آسيا من أوروبا ويقوم المنتجون الآخرون بالعكس.

ورغم أن الكمية التي ينبغي لموسكو إعادة توجيهها إلى آسيا كبيرة، لكن لا يبدو أن الرياض (ومعها كافة العواصم الخليجية) قلقة بشأن مزاحمة البراميل الروسية لإمداداتها النفطية وذلك لأسباب عديدة من أهمها:

أولاً: السعودية لديها عقود طويلة الأجل مع العديد من المشترين الآسيويين الرئيسيين، وتبيع كميات محدودة من النفط الخام في الأسواق الفورية.

ثانياً: يدرك العملاء الآسيويون أنهم يتعاملون منذ عقود مع مصدر موثوق مثل السعودية، والتي تعتبر أكبر مصدر للنفط الخام في العالم، وتملك أكبر طاقة احتياطية في "أوبك" وخارجها، بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية والسياسية القوية التي تربط تلك الدول مع الرياض.

وأخيراً وهو الأهم: من غير الواضح إلى متى يمكن لروسيا الاستمرار في عرض براميلها بتخفيضات كبيرة في الأسعار، في حين أن عقوبات الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة على التأمين وخدمات الشحن الأخرى قد تعقد أيضا المبيعات الروسية إلى آسيا.

علاوة على ذلك، خفضت وكالة الطاقة الدولية بشكل كبير صادرات النفط الروسية المتوقعة في السنوات المقبلة، متوقعة في تقريرها السنوي الأخير أن تتراجع حصة روسيا لصالح الولايات المتحدة والشرق الأوسط.

في الحقيقة، مصدر التفاؤل السعودي تعكسه البيانات على أرض الواقع، حيث سجلت صادرات النفط الخام للمملكة أعلى مستوياتها في أكثر من عامين عند 7.6 مليون برميل يوميا في أغسطس/آب، وفقًا لأحدث بيانات مبادرة البيانات المشتركة للدول المنتجة للنفط "جودي"، كما أنه لا توجد أدلة تذكر حتى الآن على خسارة كبيرة للصادرات السعودية إلى الصين والهند لصالح روسيا.

بالفعل، فقد احتلت السعودية المرتبة الأولى كأكبر مورد نفطي إلى الصين، المستورد الأول للنفط في العالم، بصادرات بلغت 1.768 مليون برميل في اليوم خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، بانخفاض يمثل أقل من 1% عن العام السابق.

وفي الهند، ثالث أكبر مستهلك ومستورد للنفط في العالم، أدى ارتفاع الواردات الروسية إلى خسارة أكبر للمصدرين الرئيسيين الآخرين خصوصا الولايات المتحدة والعراق ودول أخرى من أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وفي أسواق شرق آسيا الأخرى، لا تزال السعودية المورد الأول والمهيمن، فقد توقفت اليابان عن شراء الخام من روسيا منذ شهر يونيو/حزيران في ضوء غزو موسكو لأوكرانيا، وسعت مصافي التكرير اليابانية إلى بدائل من الشرق الأوسط تحديدا من السعودية، كما زادت كوريا الجنوبية من اعتمادها على النفط الخام السعودي بعد توقف المصافي الكورية الجنوبية عمليا عن شراء الخام الروسي. وفي تايوان، قفزت الصادرات السعودية بنسبة 18% خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، لتمنح المملكة حصة سوقية مهيمنة تتجاوز ثلث واردات تايوان النفطية.

وعلى الضفة الأخرى، تتجه المصافي الأوروبية بشكل متزايد إلى السعودية لتعويض الكميات الروسية المفقودة، حيث تضاعفت صادرات المملكة إلى أوروبا الشهر الماضي مقارنة بنفس التاريخ من العام السابق.

وحسب تصريحات لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان نقلتها صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن الرياض تجري محادثات مع "العديد" من الحكومات الأوروبية، بما في ذلك ألمانيا وبولندا، وجمهورية التشيك، وكرواتيا، ورومانيا، تتعلق بزيادة الإمدادات إلى تلك الدول.

تتمثل إحدى الميزات الرئيسية التي تتفوق فيها السعودية على منتجي الشرق الأوسط الآخرين هي قربها من أوروبا، حيث يمكن تحميل النفط الخام على متن ناقلات من ميناء ينبع السعودي المطل على البحر الأحمر في رحلة تستغرق من يوم إلى يومين إلى محطة العين السخنة في مصر، ثم نقله عبر نظام خط أنابيب سوميد إلى ميناء سيدي كرير المصري على البحر المتوسط والقريب جدا من أهم الموانئ الأوروبية.

في النهاية، رغم أن حرب روسيا في أوكرانيا والعقوبات الغربية ضد موسكو تسببت في تحول في تدفقات تجارة النفط العالمية، ومن المرجح أن يستمر ذلك في المستقبل المنظور، لكن هذا التحول لن يشعل المنافسة أو التوتر بين الرياض وموسكو، بل على العكس ربما يمنح فرصا جديدة للمملكة، ومجالات للتعاون حتى مع روسيا نفسها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com