عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

الوساطة الروسية بين أنقرة ودمشق

تُكثف موسكو جهودها المعلنة والسرية على خط الوساطة بين أنقرة ودمشق، لكأنها في سباق مع الزمن مع عملية عسكرية تركية، طالما لوّحت بها الأولى، واستنكرتها الثانية..

وعلى الرغم من أنها أقل تضرراً من واشنطن من عملية كهذه، لا سيما إن ظلت في حدودها "التكتيكية"، فإنها لا تدّخر وسعاً لتلافيها..

موسكو، كواشنطن، ترتبط بعلاقات استراتيجية مع تركيا، لكنها بخلافها، تحتفظ بشبكة علاقات ومصالح مع سوريا، ليست أبداً بوارد التخلي عنها، أو المقامرة بها، حتى وهي في ذروة انشغالاتها الأوكرانية.

الكرملين راقب بكثير من الارتياح، التحولات في مواقف "القصر الأبيض" حيال سوريا، وهو تلمس حاجة أردوغان لاستحداث اختراق سريع على مسار العلاقة مع جارته الجنوبية، أملاً في سحب ملف اللاجئين السوريين من التداول في الحملات الانتخابية لخصومه، ولهذا رأيناه يستعجل عقد قمة مع الأسد، وفي ذهنه استخدام "الصورة" لبعث رسائل للجمهور التركي المُتعَب، مؤدّاها أن ملف اللجوء السوري قد وضع على سكة الحل.

"القيصر" يعرف تمام المعرفة، أن ثمة مشتركات وجوامع بين الأسد وأردوغان يمكن البناء عليها، أهمها أن كلا الرجلين يخشيان مشروع "قسد"، ولا يريدان للانفصالية الكردية أن تتجسد أمراً واقعاً في شمال سوريا

ولا شك أن "القيصر" يعرف تمام المعرفة، أن ثمة مشتركات وجوامع بين الأسد وأردوغان يمكن البناء عليها، أهمها أن كلا الرجلين يخشيان مشروع "قسد"، ولا يريدان للانفصالية الكردية أن تتجسد أمراً واقعاً في شمال سوريا، تحت ظلال الحراب الأمريكية.. كلاهما ينظر بعين القلق للدور الأمريكي في شمال سوريا الشرقي، وكلاهما عاجز عن فعل شيء ذي مغزى حياله.

نقاط التلاقي بين الرجلين، لا تبدد نقاط الافتراق بينهما، فقضية اللجوء السوري في تركيا تؤرق أردوغان أكثر مما تؤرق الأسد، لا سيما بعد أن تحولت إلى مشكلة تركية أكثر من كونها مشكلة سورية، وهي إن كانت أولوية عند الرئيس التركي، فإنها لا تتمتع بالمكانة ذاتها عند نظيره السوري، الذي يهمه بالأساس، التزام تركيا بالانسحاب من شمال سوريا ووقف دعمها للجماعات المسلحة جميعها.

للأسد تعريف للإرهاب يتخطى تعريف أردوغان له، فكل مَن حمل السلاح ضد النظام في دمشق هو إرهابي في عرف "قصر الشعب"، لكن الصورة لا تبدو كذلك من منظور أنقرة، التي تكاد تختزل الإرهاب بالحركات الكردية، وتتجاهل مروحة واسعة من المنظمات والحركات المسلحة التي تناصب الأسد أشد العداء، بمن فيها هيئة تحرير الشام، التي تقيم علاقات وثقى مع تركيا، وتحتضن مناطق سيطرتها في إدلب وجوارها العديد من القواعد العسكرية التركية.

ماذا إن عاد أردوغان لحكم تركيا بعد الانتخابات؟ وهل من الأفضل لدمشق إبرام تفاهمات مع أنقرة اليوم، فيما أردوغان بحاجة لها، أم المقامرة بإرجائها والاضطرار للتفاهم معه وهو في موقع قوة أفضل؟

أردوغان يستعجل القمة مع الأسد، لأسباب انتخابية أساساً، والأسد يستمهلها للأسباب ذاتها، فهو يراقب التقارير عن تدني شعبية الرئيس والحزب الحاكم، وليست لديه الدافعية لمد يد العون له لتعزيز مكانته الانتخابية، والمؤكد أنه – الأسد – يفضل التعامل مع المعارضة العلمانية التي لم تقطع مع دمشق، على التعامل مع حكومة ذات مرجعية إسلامية، لم تُبقِ معارضاً في سوريا لم تمده بأسباب القوة والإسناد، أقله في مراحل سابقة من عمر الأزمة السورية.

أما عن أولويات "الوسيط" ومصالحه، فهي إلى جانب تفادي نشوب حرب بين "حليفين" أساسيين، "ضربة معلم" يسددها في وجه خصمه الأمريكي، فاتفاق بين دمشق وأنقرة، سيرسم سقوفاً للكرد يصعب تخطيها، حتى بوجود الدعم من واشنطن، بل إن تفاهماً كهذا، قد يفقد الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة مبرراته المعلنة على الأقل، وربما يكون له الدور الأكبر في الإطاحة بـ"قانون قيصر" وتفكيك نظام العقوبات المفروض على سوريا.

يبقى السؤال الذي لا بدّ أنه شغل اهتمام القيادة السورية وهي تدير محادثاتها مع الوسيط الروسي: ماذا إن عاد أردوغان لحكم تركيا بعد الانتخابات؟ وهو سيناريو لا يمكن إهماله، إن لم نقل إنه الأكثر ترجيحاً.. وهل من الأفضل لدمشق إبرام تفاهمات مع أنقرة اليوم، فيما أردوغان بحاجة لها، أم المقامرة بإرجائها والاضطرار للتفاهم معه وهو في موقع قوة أفضل؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com