أمريكا والصين.. و"صراع الموانئ"

أمريكا والصين.. و"صراع الموانئ"

يبدو أن نظرية "التهديد الصيني" تزحف تدريجيا إلى جميع مفاصل صنع القرار السياسي في الولايات المتحدة، وقد تطال كافة القطاعات الاقتصادية؛ فبعد القوانين التي تتعلق بالتجارة، وأشباه الموصلات، والطاقة المتجددة، والمعادن الحرجة، برزت إلى الواجهة حاليا، في واشنطن، قضية هيمنة الصين على الموانئ العالمية.

ويمكن القول إن هذه القضية قد اكتسبت أهميتها حاليا من خلال عدة تفاعلات سياسية كانت واضحة خلال الأيام الأخيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها، بداية جاءت تصريحات لافتة لبعض الشخصيات العسكرية والتشريعية الأمريكية، التي باتت تتحدث علنا عن إمكانية نشوب حرب مع الصين بسبب تايوان خلال العامين القادمين، وربما تكون في عام 2025.

كما يمكن ملاحظة تنامي الأصوات الأمريكية التي تطالب بإقرار قوانين (على غرار ما حدث مع أشباه الموصلات والطاقة المتجددة) لدعم شركات بناء السفن الشحن المحلية، والعمل على كسر هيمنة الصين على سلاسل التوريد البحرية العالمية.

والأهم، احتل موضوع الموانئ حيزا مهما خلال جلسة استماع لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الأميركية الصينية التابعة للكونغرس الأمريكي حول "الدبلوماسية العسكرية الصينية وأنشطة الأمن الخارجية" التي عقدت الخميس الماضي.

من وجهة النظر الأمريكية، السيطرة على الموانئ والمحطات تمنح الصين نفوذا اقتصاديا وسياسيا على حكومات البلدان المضيفة.

بروز الصين في هذا المجال لم يعد سرا، حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" توفر السفن أكثر من 80% من التجارة العالمية، في حين موانئ الصين وحدها تعالج ما يقرب من 50% من جميع حركة مرور الموانئ العالمية.

كما أن الصين تنتج نحو 96% من حاويات الشحن في العالم، وتوجد فيها سبعة من أكبر عشرة موانئ في العالم في الصين، والشركات الصينية تملك و/أو تدير حوالي 100 ميناء حول العالم.

ولا يقتصر على ذلك، فقد حافظت الصين على ريادتها في بناء السفن في العالم في عام 2022، حيث استحوذت على أكبر حصة في السوق وحققت اختراقات مهمة في موديلات السفن المتطورة

وتصدرت العالم في ثلاثة مؤشرات رئيسة، حيث ساهمت بنسبة 47.3% من الناتج العالمي، وحصلت على 55.2% من الطلبات الجديدة، و49%من الطلبات المعلقة، في حين تم تصنيف 6 شركات صينية كأفضل 10 شركات لبناء السفن في العالم.

ولعل المخاوف الأمريكية لخصتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مؤخرا بالقول إن الصين أصبحت قوة بحرية عالمية، مع آلاف السفن التجارية التي تبحر في الممرات البحرية، وصناعة بناء سفن ضخمة قادرة على إنتاج المزيد من السفن، وهذه الهيمنة على سلاسل التوريد العالمية يمكن أن تجعل الولايات المتحدة تجثو على ركبتيها في الصراع.

من وجهة النظر الأمريكية، السيطرة على الموانئ والمحطات تمنح الصين نفوذا اقتصاديا وسياسيا على حكومات البلدان المضيفة، كما يسمح لها بجمع معلومات سرية عن حركة السفن، والتدفقات البحرية للسلع الحيوية في جميع أنحاء العالم والتحكم فيها.

وفي زمن الحرب، هناك أيضا مخاوف مستمرة من أن الموانئ التي تديرها/تملكها الشركات الصينية يمكن أن تستغل لدعم المجهودات الحربية للجيش الصيني.

الولايات المتحدة وحدها ليست مجهزة جيدا للمنافسة مباشرة مع الصين في بناء وامتلاك وتشغيل الموانئ والبنية التحتية للنقل الأخرى.

لكن الصين تعتبر أن المخاوف الغربية يتم تسييسها بما يتجاوز ما هو ضروري وأن المخاوف تستند إلى افتراضات تتعلق بنوايا الصين وفي بعض الأحيان تستند الى دوافع أيديولوجية وحتى عنصرية.

وتجادل بكين أن النشاطات البحرية التجارية للبلاد هي نتاج طبيعي لتطورها الاقتصادي، والجغرافي حيث تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأكبر بلد مصدر للسلع في العالم، وأكبر شريك تجاري لحوالي 120 دولة في العالم.

كما أن العديد من الإستراتيجيين الصينيين يبرزون المخاوف الصينية من التهديدات الغربية، فعشرات القواعد العسكرية الأمريكية الكبرى منتشرة في معظم مناطق العالم، في حين إن الصين لا تملك سوى قاعدة لوجيتسية في جيبوتي فقط.

وحسب توقعاتهم، في حال اندلاع حرب أو صراع مع الولايات المتحدة، بكين منكشفة على العالم الخارجي بشكل أكبر، خاصة أن الصين تعتمد بشكل كبير على واردات النفط والغاز والعديد من السلع الإستراتيجية.

الأهم، فإن استغلال الموانئ الأجنبية التي تملكها و/أو تديرها الشركات الصينية لأغراض عسكرية في سيناريو الصراع مع الولايات المتحدة، قضية صعبة وربما معقدة سياسيا ولوجستيا.

من الناحية السياسية، الصين تحتاج موافقة الدول المضيفة لاستخدام الموانئ التجارية لأغراض حربية، ومن الناحية اللوجستية، فإن الموانئ التجارية قد تتحول الى عبئا إستراتيجيا في حالة الحرب.

أخبار ذات صلة
جنرال أمريكي يحذر من مخاطر نشوب حرب مع الصين بحلول 2025

لكن على جميع الأحوال، يمكن القول إن الولايات المتحدة وحدها ليست مجهزة جيدا للمنافسة مباشرة مع الصين في بناء وامتلاك وتشغيل الموانئ والبنية التحتية للنقل الأخرى، لكنها من المؤكد أن تحاول عبر التنسيق مع العديد من الدول الحليفة لأمريكا والتي لها دور قيادي في هذه الصناعات، والعمل على بناء بعض المرونة في شبكات النقل وسلاسل التوريد البحرية، وكسر ما تعتبره واشنطن هيمنة صينية في هذا المجال.

المهمة ليست سهلة وربما تكون شبه مستحيلة (على الأقل في المديين القصير والمتوسط) وتحتاج الوقت والمال والالتزام، لكن بالنسبة لصناع القرار السياسي في واشنطن، الأمر بات يتعلق بقضية أصبحت تمس "الأمن القومي"، فحسب العديد من التحذيرات الأمنية/السياسية/الاقتصادية الأمريكية فقد تجد الولايات المتحدة نفسها في مواجهة مع الصين، ويدها مقيدة خلف ظهرها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com