العراق.. مراوحة بنكهة الانفراج

العراق.. مراوحة بنكهة الانفراج

حتى لو ظهرت بوادر انفراج في أزمة اختيار رئيس للحكومة، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية في العراق، فالواضح أن هذا الانفراج - إن حدث - لن يغير من حقيقة وجوهر الأزمة أو الأزمات التي يعيشها العراق منذ سنوات عديدة، والتي كلفته طوال تلك السنوات ثمناً باهظاً من موارده البشرية ومقدّراته الاقتصادية والطبيعية.

فاختيار رئيس جديد للبلاد، والتوافق على تكليف رئيس جديد للحكومة، يظل بالمعيار السياسي حلاً شكلياً طالما أن مَن يتم اختياره في المنصبين لا يملك من الصلاحيات إلا بقدر ما تتوافق عليه القوى السياسية والطائفية التي تتحكم في انتخاب الرئيس، أو اختيار رئيس الحكومة وتوزيع الحقائب فيها.

والذين عوّلوا على السجل الشخصي للرئيس العراقي الجديد عبد اللطيف رشيد، ورئيس الحكومة المكلف محمد شيّاع السوداني، يُقزّمون أزمة الحكم في العراق، ويتجاهلون أن الكرة مهما تكاثر اللاعبون، تظل  في ملعب الأحزاب والتيارات السياسية الطائفية التي تتحكم بأجهزة الدولة وآليات عملها وسياساتها وبرامجها.

فما الذي يستطيعه رئيس منزوع الصلاحيات، وما الذي تستطيعه حكومة أياً كانت مؤهلات وسجايا أعضائها، أن يفعلا إزاء منظومة الفساد التي تتحكم بها شخصيات سياسية وحزبية وطائفية لها سطوة على كافة مؤسسات الدولة وأجهزتها، وتملك مفاتيح القرارات التي تسمح لها باستزلام الأتباع والمحاسيب، عبر حزمة معروفة ومرصودة من آليات السرقة المباشرة والرشوة الظاهرة والمخفية.

وماذا يمكن لشخصيات نظيفة اليد ونقية السجل أن تفعل إزاء المشاكل المستعصية التي تنتظر الحل، إذا كان وجود تلك الشخصيات واستمرار بقائها يرتبط برضا القيادات الحزبية والطائفية عنها، وبمدى التزامها بتنفيذ المصالح السياسية، وتأمين المكاسب لتلك القيادات.

 ثم ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبه رئيس الجمهورية، أو رئيس وأعضاء أي حكومة جديدة في ظل التدخلات الخارجية السافرة، أو في كواليس ودهاليز الشأن العراقي، إذا كان مثل هذا التدخل هو ثمن الدفاع عن عجز الأجهزة وتبرير الفشل في الأداء وتأمين المصالح والمنافع الشخصية.

العراقيون الذين عَبَروا الطائفية السياسية والمناطقية خلال الشهور الماضية من عمر أزمة الحكم، وهم يطالبون بوقف التدخلات الخارجية، وإصلاح الأحوال المعيشية وحل الأزمات التي تواجهها كافة فئات الشعب العراقي بمختلف طوائفه وشرائحه الاجتماعية وأقاليمه، لن يجدوا في الحكومة الجديدة إن شُكِّلت، ولا برئاسة الجمهورية الجديدة، ما يُلبي مطالبهم الحياتية المحقة.

لذلك، فإن الأزمة في العراق ستظل مفتوحة على كل الاحتمالات، وسيجد العراقيون أنهم يعودون كما  في كل مرة، إلى مربع الأزمة الأول.

الأزمة في العراق معقدة وشائكة، فطبقة التكنوقراط التي تمتلك وصفات لعلاج المشكلات الحياتية، والأزمات المتراكمة والمستعصية في البلاد، لا تمتلك الإرادة السياسية التي تمكنها من تحويل وصفات العلاج إلى برامج وخطط تنتشل البلاد مما تعانيه من أزمات.

والطبقة السياسية والطائفية التي تتحكم بمفاتيح العملية السياسية، لا تمتلك الخبرة العملية والتكنوقراطية التي تحتاجها أي عملية حقيقية للإصلاح السياسي والاقتصادي، كما لا تمتلك أي حلول للمشكلات الاجتماعية والحياتية المستعصية. لذلك فإن الأزمة في العراق ستظل تراوح بين طبقة تكنوقراطية غير فعالة، وطبقة سياسية فاسدة.

اختيار رئيس جديد للجمهورية وتكليف رئيس حكومة جديد مقبولٍ نسبياً من قبل بعض القوى السياسة والطائفية، لا يعني أن العراق يمكن أن يخرج من عنق الأزمة التي يراوح فيها منذ سنوات عديدة، بل يمكن في أحسن الأحوال أن تكون حقنة مسكن جديدة تساعده على احتمال الألم لفترة أخرى، يكابد فيها أزمات جديدة من كل نوع، بل ويعاني فيها من تهميش لدوره العربي والإقليمي، وهو دور لا يجوز أن يظل غائباً أو بعيداً عنه.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com