تاج الدين عبد الحق
تاج الدين عبد الحقرئيس تحرير موقع إرم نيوز

التطبيع السوري التركي إلى أين؟

على مدى سنوات حكمه، التي قاربت عقدين، ظل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان رقما صعبا، يحار أصدقاؤه، قبل خصومه في الحكم على سياساته ومواقفه. يتحرك من اليمين إلى الشمال، كما لو أنه يتحرك دون حساب للعواقب، وتتغير مواقفه دون مقدمات، كما لو أنه لا يأبه بالنتائج.

الانفتاح التركي المنتظر على سوريا اليوم، ليس السابقة الوحيدة المثيرة للجدل، في تاريخ الزعيم التركي، فمن سياسة تصفير الأزمات مع الجيران، التي كانت سمة حكمه عند وصوله للسلطة في مستهل القرن الحالي، إلى صانع لها، حين أصبح قرصا في كل عرس من الأعراس التي شهدتها المنطقة، وعندما احتل مكانا واضحا في كل أزماتها ومشكلاتها لاحقا.

قد تكون هذه الخطوة مشجعة لبعض المترددين في الإقليم، الذين لا يزالون غير متأكدين من أن دمشق على مشارف حل شامل لأزماتها الداخلية والسيطرة على التوترات في علاقاتها الخارجية.

الذين نظروا إلى الرئيس أردوغان كمنظر سياسي، تحركه الأيديولوجيا، ظنوا أنه الخليفة المنتظر للمسلمين، وأن المسحة الدينية التي اتسم بها سلوكه السياسي في تعامله مع قضايا المنطقة تعطيه شيكا على بياض لتزعم المنطقة وقيادتها، لكنهم سرعان ما فوجئوا باستدارة السياسة الخارجية التركية استدارة كاملة أقصت حلفاء الأمس، وقربت خصوم اليوم، معلية المصالح التركية على ما عداها من المصالح ومتجنبة ما قد يصيبها من أضرار.

الرئيس التركي بغض النظر عن سجله السياسي وخلفياته الفكرية، أثبت أنه براغماتي بامتياز، وأنه يطبق باقتدار الفلسفة السياسية التي تقول بالمصالح أولاً، وقبل كل شيء، وأي شيء، وأن السياسات لا تقوم على صداقة مجردة، أو على عداوة دائمة.

وهو بهذا المعنى ليس استثناءً في التاريخ، لكنه مستوعب جيد له؛ فهناك دول وحكومات كثيرة غيرت سياساتها وبدلت تحالفاتها، بل وأعادت تشكيل نفسها، عندما اصطدمت مصالحها بتلك السياسات والتحالفات، أو عندما وجدت حاجة لتغيير الأولويات، أو حين وجدت في تبديل المواقف ضرورة وجودية، أو حاجة سياسية.

في هذا السياق، فإن اللقاء المنتظر بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس السوري بشار الأسد، هو الصفحة الأخيرة في مراجعة علاقات إقليمية تركية متعددة الاتجاهات. وهو في هذه المراجعة الشاملة أعاد لتركيا علاقاتها الخليجية واستعاد ما فقدته تلك العلاقات، من حرارة طوال العقد الماضي، وما غيرته من سياسات، دفعت بسببها أنقره ضريبة عالية من اقتصادها وتأثيرها، كما راجع مواقف ربطت تركيا دون اختيار، أو دون وعي بالآثار أو تقدير العواقب، بقوى معارضة مسلحة، تبين فيما بعد أن لها أجندة تتعارض مع المصالح التركية الأمنية وتصطدم بشبكة علاقاتها الإقليمية، بل وتهدد استقرارها الداخلي.

استعادة أنقرة لعلاقاتها السياسية مع سوريا، قد تكون درسا مفيدا على أكثر من صعيد؛ فقد تكون هذه الخطوة مشجعة لبعض المترددين في الإقليم، الذين لا يزالون غير متأكدين من أن دمشق على مشارف حل شامل لأزماتها الداخلية والسيطرة على التوترات في علاقاتها الخارجية.

كما أن التطبيع الثنائي بين أنقرة ودمشق، سيعطي لعلاقات البلدين الثنائية، نوعا من الاستقرار والديمومة في المستقبل؛ فالاضطراب في علاقات البلدين خلال الفترة الماضية ألقى ضوءا كاشفا على حجم وطبيعة ما يربط البلدين من مصالح، وما ينتظرهما من فرص. ولذلك، فإن التطبيع لن يظل قاصرا على حل النتائج التي تسبب التوتر بين البلدين، بل قد يكون بداية، لرسم نهج جديد يؤسس لعلاقات مستقرة ودائمة.

وحتى لو أخذ تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا- في هذه المرحلة - بعض الوقت، وحتى لو اقتضى الأمر ولادات قيصرية لبعض المواقف، فإن ذلك يمكن أن يؤشر على أن علاقات البلدين ستشهد عند عودتها، بداية مختلفة، ومرحلة جديدة بعد أن اختبر البلدان حجم الخسارة المادية والسياسية التي لحقت بهما. ومن المتوقع أن يكون الطرفان أكثر حذرا في المستقبل في التعاطي مع كل القضايا الخلافية التي يواجهانها، أو بناء المصالح المشتركة التي قد يرتبطان بها.

علاقات تركيا وسوريا تضع الأزمة السورية على مفترق طرق؛ فنجاح التطبيع بين دمشق وأنقرة سيكون مشجعا لقوى كثيرة لتغيير سياساتها تجاه سوريا، كما أن التقارب التركي السوري يعطي زخما كبيرا لجهود الانفراج في الأزمة السورية ككل، ويخلق معطيات جديدة من شأنها التأثير على بعض السياسات الإقليمية التي لا تزال مترددة في التعاطي مع دمشق وفي تأييد استعادة دورها كطرف فاعل في المشهد الإقليمي، وصولا إلى إخراجها من دائرة الحصار التي تعيق عودتها كطرف فاعل في هذا المشهد.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com