د. أحمد بن قاسم الغامدي
د. أحمد بن قاسم الغامدي

ضعف حديث "بعثت بالسيف"

أخرج أحمد وابن أبي شيبة وغيرهما عن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي منيب الجرشي عن ابن عمر قال: قال رسول الله: (بعثت بالسيف حتى يعبد الله لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذلة، والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم).

قلت: هذا الإسناد ضعيف لضعف عبد الرحمن بن ثابت ابن ثوبان ضعفه أحمد بن حنبل، وابنمعين، والنسائي، وابن خراش، والعقيلي، وابن عدي، وابن الجوزي والذهبي.

كما أن هذا الإسناد مدلس في ثلاثة مواضع:

الأول: أن عبد الرحمن بن ثابت عنعنه عن حسان، وهو يروي عمن أدركهم بالعنعنة ما لم يسمع منهم، قال أبو حاتم: (قد أدرك مكحولا ولم يسمع منه شيئا)، وقد روى عن مكحول وهذا تدليس يسقط الرواية.

الثاني: أن حسان عنعنه عن أبي المنيب وهو يروي عمن أدركهم بالعنعنة مالم يسمع منهم قال في تهذيب الكمال: روى بالعنعنة عن جماعة أدركهم ولم يسمع منهم كأبي الدرداء وأبي واقد الليثي وهذا تدليس يسقط الرواية.

الثالث: اجتماع عنعنة أبي المنيب عن ابن عمر وتفرده به مع عدم شهرته بأنه من الرواة عنه وكونه لم يوثقه إلا بعض المتساهلين مع تدليس عبد الرحمن ابن ثوبان وحسان، يغلب فيه كونه دلسه أبو المنيب عن ابن عمر.

فهذا الإسناد تالف فضلا عما سيأتي من الإشارة لنكارة متن الحديث.

وقد تابع عبدالرحمن بن ثوبان فيه الأوزاعي، عن حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله: (بعثت بالسيف.. الحديث).

أخرج هذه المتابعة الطحاوي في مشكل الآثار، والطبراني في الكبير.

قلت: هذه المتابعة ضعيفة لما يلي:

أولا: إنه من رواية الوليد بن مسلم وهو مشهور بتدليس التسوية، أي إسقاط الضعفاء من السند، وهو لم يصرح بالسماع فيه.

ثانيا: في سندها تدليس حسان بن عطية، وأبي المنيب كما تقدمت الإشارة إليه.

ثالثا: إن الوليد خالف الثقات فيه، إذ المحفوظ من طريق الأوزاعي هو ما رواه سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن سعيد بن جبلة، عن طاووس اليماني، أن النبي قال: (إن الله بعثني بالسيف بين يدي الساعة...الحديث).

وهذا الطريق أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف والقضاعي في مسنده وابن المبارك في الجهاد.

حديث: (بعثت بالسيف.. إلخ) رُوي بأسانيد ضعيفة جداً، لم يصح منها شيء ومتنه منكر لمخالفته قول الله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وقوله: (لا إكراه في الدين)، وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)، وقوله: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).

وقد رجح دحيم وأبو حاتم الرازي في العلل أن المحفوظ ما رواه سفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس، عن الأوزاعي وضعفا ما خالفه.

قلت: وهذه المتابعة مرسلة وسندها ضعيف جدا، لأن سعيد بن جبلة مجهول ضعفه ابن خفيف الشيرازي، وطاووس بن كيسان اليماني التابعي عنعن وهو مدلس. وقد روى صدقة بن عبد الله هذا الحديث عن الأَوزاعي، فجعله عن الأوزاعي عن يحيى بنِ أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: (إن الله عز وجل بعثني بالسيف بين يدي الساعة.. الحديث) وهذا الطريق مخرج في مسند أبي أمية الطرسوسي ومسند البزار وقد ضعفه الحافظ دحيم وأبو حاتم الرازي في العلل، والبزار، والدار قطني في العلل لضعف صدقة بن عبدالله، أما تفرده عن البقية بجعل الحديث من مسند أبي هريرة منكر.

ورواه بشر بن الحسين ثنا الزبير بن عدي عن أنس، قال رسول الله: (بعثت بين يدي الساعة.. الحديث). أخرج هذا أبو نعيم في أخبار أصبهان.

قلت: هذا الإسناد باطل فيه بشر وهو متروك. وأخرج سعيد بن منصور في سننه قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن أبي عمير الصوري، عن الحسن، قال: قال رسول الله: (إن الله بعثني بسيفي بين يدي الساعة.. الحديث).

قلت: وهذا من مرسلات الحسن ولا حجة في المرسل فضلا عن أن إسناده ضعيف لما يلي: أولا: إسماعيل بن عياش مدلس ولم يصرح بالسماع. ثانيا: أبو عمير الصوري هو أبان بن سليمان مجهول الحال.

خصوم الإسلام حاولوا تشويه الإسلام بأنه إنما انتشر بالسيف، والمؤسف ما يقوم به المتطرفون من تبرير تطرفهم بهذا الحديث الضعيف أو غيره من الصحاح التي لحق بها الاجتزاء المخل..

وخلاصة القول إن حديث: (بعثت بالسيف.. إلخ) رُوي بأسانيد ضعيفة جداً، لم يصح منها شيء ومتنه منكر لمخالفته قول الله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، وقوله: (لا إكراه في الدين)، وقوله: (وما على الرسول إلا البلاغ المبين)، وقوله: (فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر).

وخصوم الإسلام حاولوا تشويه الإسلام بأنه إنما انتشر بالسيف، والمؤسف ما يقوم به المتطرفون من تبرير تطرفهم بهذا الحديث الضعيف أو غيره من الصحاح التي لحق بها الاجتزاء المخل، كحديث ابن عمر في الصحيحين: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا.. إلخ) وهذا سأتناوله في مقال آخر.

الحقيقة أن الإسلام رحمة وهداية وإنما أذن بالقتال دفاعا، كما قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)، فهذا منطوق القرآن بلا لبس، فحين يروى حديث كحديث: (بعثت بالسيف..) فلا شك في نكارته قبل النظر لسنده ولو بعث الرسول بالسيف، لأظهر ذلك في مكة، حين كان أصحابه يؤذون ويعذبون ويستأذنونه بأن يدافعون عن أنفسهم فيقول لهم ما قاله الله: (كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة).

لم يأذن الله لهم بالمدافعة إلا بعد الهجرة، حينها قال تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز).

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com