في الأداء "الباهت" لسلطتي الانقسام
في الأداء "الباهت" لسلطتي الانقسامفي الأداء "الباهت" لسلطتي الانقسام

في الأداء "الباهت" لسلطتي الانقسام

أستبعد أن تكون القيادة الفلسطينية قد استقبلت جو بايدن بكثير من "الأوهام" حول ما حمله في جعبته وهو يلج عتبات المنطقة لأول مرة كرئيس للولايات المتحدة، ذلك أن الرجل لم يترك فسحة للرهانات الخائبة والأوهام الطائشة طوال عامين تقريباً من ولايته، فهو لا يكف عن التلفظ بالحديث الفضفاض عن "رؤية الدولتين"، في حين نراه يغرف من سلة "السلام الاقتصادي"، وبقدر كبير من التقتير، ويصب "جام" مساعدته الإنسانية على الأونروا والمستشفيات الفلسطينية.

كل مراقب عن كثب للسياسة الأمريكية حيال الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي كان يدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك، وكان يدرك كذلك أن بايدن وإدارته صمما مقاربتهما الفلسطينية على "مقاس" ما هو مقبول وممكن إسرائيلياً..

والمؤكد أن الاتصالات التمهيدية للزيارة لم تترك هامشاً للمفاجآت، ووضعت القيادة الفلسطينية في صورة ما هو ممكن وما هو متعذر الحصول عليه من زيارة خاطفة لبيت لحم، لم تزد عن كونها "استراحة قصيرة" بين زيارتين أكثر أهمية للقدس وجدة.

لكن القيادة الفلسطينية مع ذلك لم تجد طريقة أخرى تستقبل بها بايدن، ويمكنها بها استحداث تعديل وإن طفيف على جدول أعماله وأولوياته..

لقد نشرت ما لديها من حرس رئاسي وتشريفات وفرشت ما بحوزتها من بسطٍ حمراء، وكأنها بذلك كانت تنال قسطها للعُلى، وتستشعر - ربما وحدها- أن عناصر الدولة والسيادة تكتمل بمثل هذه المظاهر التي تحاكي وجود دولة لا وجود فعلياً لها على الأرض.

كان بمقدور هذه القيادة، بما تتوفر عليه من أجهزة وأدوات وفصائل ومنظمات، أن تسعى لحث مئات ألوف الفلسطينيين للخروج إلى الشوارع، قبيل أو أثناء جولة بايدن، لتبعث رسالة قوية ومدوية لكل من يعنيهم الأمر بأن هذا الشعب لن يقبل بأن يُنظر إلى قضيته بوصفها مجرد قضية إنسانية، وأن توقه للحرية والاستقلال أشد وطأة من حسابات بايدن قصيرة النظر، وانحيازاته البالغة حد السفور لإسرائيل.

ما الذي أعاق خروج تظاهرات مليونية، سلمية بالطبع، تبعث رسائل تدعّم مواقف القيادة، أقله كما وردت على لسان الرئيس عباس في "شبه المؤتمر الصحفي" الذي عقده مع بايدن، والذي خلا كما هو معروف من أسئلة الصحفيين برغم وجودهم الكثيف؟

هل هو العجز عن "تحريك" الشارع وإخراجه عن بكرة أبيه بعد أن فقد ثقته بقيادته، واتسعت الفجوة بينهما؟ هل هي الخشية من الشارع الذي ما أن يخرج في تظاهرات حاشدة حتى ينقلب على السلطة وخطابها وأدائها ورئاستها وفصائلها؟ هل هي الخشية من غضب "السيّد الأمريكي" وما يمكن أن يترتب عليه من إجراءات؟ ما الذي تخشاه القيادة وهي في وضع "السجين"، حتى وإن كان سجنها من "فئة الخمس نجوم"؟

وليت أن الأمر وقف عند إخفاق سلطة رام الله في توجيه الرسائل المنطلقة من مئات ألوف الحناجر..

سلطة الأمر الواقع في غزة قارفت شيئاً فريّاً بدورها، ذلك أنه كان بمقدورها أن تستحضر فصولاً من "مسيرات العودة" المغدورة، وأن تكتفي بإطلاق "البالونات" غير الحارقة إلى الضفة الأخرى من "الجدار" محمّلة بصور شيرين أبو عاقلة وأعلام فلسطين، ومقتطفات من تقارير "بتسليم" و"هيومن رايتس" و"أمنستي" عن العنصرية المصبوبة على رؤوس الفلسطينيين..

لكن بدلاً من ذلك، اكتفت سلطة غزة بإطلاق صاروخين يتيمين، أحدهما أسقطته القبة الحديدية والثاني سقط على أرض خلاء، فهل هذا هو الرد الذي كان متوقعاً من غزة؟ ولماذا تخشى حماس خياراً جماهيرياً كهذا؟ وهل تشاطر سلطة رام الله "أسبابها الموجبة" للاستنكاف عن طلب العون والمدد من شعبها؟

خلاصة القول، لقد مرت زيارة بايدن ثقيلة على الفلسطينيين، وكان أداء "سلطتيهم" أثناءها باهتاً للغاية.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com