لماذا فشل الهايتكان بنيت؟
لماذا فشل الهايتكان بنيت؟لماذا فشل الهايتكان بنيت؟

لماذا فشل الهايتكان بنيت؟

بعيداً عن العواطف في متابعة العواصف السياسية، التي أطاحت بالحكومة الإسرائيلية، فإن الأمر الأساس الذي يميز هذه الحقبة هو الفشل في التعاطي مع الموضوع الفلسطيني.

رئيس الحكومة المستقيل، نفتالي بنيت، الذي عُرف كرجل التكنولوجيا العالية "هايتكان" ناجح ورجل أعمال مبدع ومدير إداري مميز، أخفق في القيام بالمهمة الأساس لرئيس حكومة، وأضاع فرصة هائلة للنجاح.

لقد تمكن من الإطاحة بحكم بنيامين نتنياهو، معلّمه الأول في السياسة، بعد أن حكم هذا لأطول فترة لرئيس حكومة في تاريخ إسرائيل، واستطاع أن يقود نهجاً إدارياً جيداً، أعاد فيه الحكم إلى العمل الجماعي، وأعاد فيه الكثير من التوازنات التي حطمها سلفه من دون أن يرجف له جفن.

أوقف بنيت نهج الفساد في الحكم، وأقام علاقات رتيبة مع الجيش، بعدما كان نتنياهو قد أحدث شروخاً سحيقة مع القيادات العسكرية وبعض القيادات الأمنية، وتمكن من إعادة العلاقات مع الولايات المتحدة إلى أعلى حد من التحالف والتعاون والمودة..

وفي حين كان نتنياهو يستخف به ويظهره "صبيانياً" و"ضعيفاً" و"لا يصلح لرئاسة حكومة"، استطاع بنيت أن يثبت أن لديه قدرات لترؤس الحكومة بجدارة؛ فعمل بنظام سليم مع وزراء من ثمانية أحزاب ينتمي كل منها لمنهج مغاير، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.

أدخل في ائتلافه الحكومي، لأول مرة منذ 72 عاماً، حزباً عربياً ينتمي إلى الحركة الإسلامية، وحقق إنجازات كبيرة في مكافحة جائحة كورونا، والتخفيف من الآثار السلبية للأزمة الاقتصادية العالمية على الاقتصاد الإسرائيلي، وتمكن من خفض نسبة الإجرام في المجتمع العربي قليلاً.

لكن بنيت وقع في عدة أخطاء وبعض الخطايا، التي صدمته بجدار سميك وجعلته يرفع يديه ويستسلم؛ فعندما قرر نتنياهو أن يطلق على الحكومة الرصاصة الأخيرة، اختار بنيت أن يقدم على انتحار حكومته برصاصة من مسدسه..

هذه الخطايا تصب في مكان واحد هو "تجاهل القضية الفلسطينية"، فقد أقنع شركاءه رؤساء الأحزاب بأن "لدينا هدفا واحدا هو إسقاط نتنياهو. في سبيل تحقيق هذا الهدف، علينا أن نتجاوز خلافاتنا الأيديولوجية ونمضي إلى الأمام.. أكبر خلافاتنا هو الصراع مع الفلسطينيين، نتركه جانباً ونصب جهودنا على تثبيت الحكم وإنقاذ الديمقراطية والتعاطي فقط مع القواسم المشتركة التي تجمعنا".

لكن هذا الصراع الفلسطيني هو شيء لا يمكن تجاهله، وقد انفجر في وجوههم، كما ينفجر جبل من الديناميت، وأصابت الشظايا أعضاء الجسد الحساسة للحكومة..

فمن البداية، حاول الفلسطينيون البرهنة على أن قضيتهم لا تحتمل التأجيل ولا التجاهل، فخرجوا إلى تظاهرات وخاضوا صدامات واشتباكات وملأوا السماء بأعلام فلسطين لإثبات حضورهم الوطني، وقام عدد من الأفراد بتنفيذ عمليات مسلحة داخل إسرائيل، وبدا أننا مقبلون على موجة عنف جديدة مؤلمة..

وحسبت الحكومة هذه قضية بسيطة يمكن علاجها عسكرياً، بزيادة عيار القمع.

وعندما راح النواب العرب في ائتلاف الحكومة، الذين أحرجهم اقتحام المسجد الأقصى والتنكيل بالأهل في حي الشيخ جراح، انشق نائب عن حزب بنيت، عميحاي شيكلي، لأنه لم يحتمل شراكة مع حزب عربي، وتبين أن شيكلي تعرض لحملة ضغوط بلغت حد الإرهاب من نشطاء في اليمين المتطرف حذرته من التأثير الفلسطيني على سياسة الحكومة..

ثم انشقت رئيسة الائتلاف، بعدما تم تهديدها بالقتل هي وزوجها وأولادها، لأنها تقبل بحكم "يبيع المشروع الاستيطاني للفلسطينيين"..

وحينما جلب المشروع لتمديد سريان القانون الإسرائيلي على المستوطنين في المناطق المحتلة، وصوّت ضده نائبان من الائتلاف، هما مازن غنايم من الموحدة وغيداء ريناوي زعبي من حزب ميرتس، وتغيب بقية نواب الموحدة، وسقط المشروع، انضم نائب ثالث من حزب بنيت إلى المعارضة، وفقد الائتلاف الحكومي أكثريته البرلمانية، وصارت الحكومة تتلوى على كف عفريت.

لكن المشكلة في إسرائيل ليست مشكلة حكومة فقط، وليست مشكلة حكم فحسب، إنما هي قضية دولة منكوبة بقيادات سياسية، تغمض عيونها الكثيرة حتى لا ترى الواقع الصارخ بشكل مدو.

كل حكومات إسرائيل، باستثناء حقبة أوسلو وعهد الرؤساء إسحق رابين، وشمعون بيرس، وإيهود أولمرت، تبنت عقدة "تجاهل الموضوع الفلسطيني" وجعلتها عقيدة.

وحتى من أدركوا أنه لا يجوز تجاهلها، ارتكبوا أخطاء متعددة واصطدموا بأخطاء فلسطينية مقابلة، وأخطاء الطرفين قادت إلى الإخفاق والفشل.

ومصيبة حكومة بنيت أنها ليس فقط لم تتعلم من الخطأ في هذه القضية، بل اقترفت خطيئة.

ليس فقط تجاهلت القضية الفلسطينية، بل وضعت ذلك شرطاً من شروط قيامها وبنداً أساسياً في برنامجها السياسي.

لم تكتف بطرحه كبند سياسي نظري، يمكن التحايل فيه والالتفاف عليه، كما يحصل لكثير من القضايا في السياسة، إنما تعمدت ترجمته إلى لغة فعل صارخ.

ونفذت خطط وبرامج جعلتها واحدة من أسوا الحكومات الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين، فزاد الاستيطان بنسبة 62%، وزاد هدم البيوت بنسبة 17%، ونفذت أوسع عمليات الاعتقال، وقتلت الصحفية شيرين أبو عاقلة بطريقة بشعة وتم الاعتداء على نعشها وجنازتها بوقاحة لا توصف وأمام أنظار مئات الملايين في العالم.

كل هذا جعل طريقها حقل ألغام، انفجر الواحد منها تلو الآخر، حتى لم يعد فيها بزع أو قوة، فاستسلمت، لكنها لم تعترف بالسبب الحقيقي للاستسلام.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com