بين "المستريح" والمشعوذ
بين "المستريح" والمشعوذبين "المستريح" والمشعوذ

بين "المستريح" والمشعوذ

أخيرا، أذعن الصحفي لأمر الطبيب؛ وافق على استقالة مؤقتة من متابعة الأخبار، لتهدئة ضغط الدم، والصداع وآلام المعدة ونوبات القولون، والسعال الذي تغذيه سيجارة لا تنطفئ.

الصحفي الذي تظاهر بأنه قبل أمر الطبيب مجاملة، تحايل على خوفه بالمشاكسة الطفولية، والاستخفاف الساخر بنصائحه، وبكل مبالغات الأطباء التي لا تفعل شيئا سوى تنغيص الحياة.

قرر الصحفي عقد هدنة مع الخبر اليومي، الذي يكاد ينحصر  بعدد ضحايا الاشتباكات الطائفية والقبلية والميليشياوية، وآخر أسماء الراحلين بكواتم الصوت والمفخخات، أو في حفلات الإعدام الجماعية في وضح النهار.

حسن، يبدو أن الحل الأمثل في هذه الإجازة العابرة، الاسترخاء مع قصص "ملهمين"، ومحاولة البحث عن شيء من الظرف للتخفيف من وقع الأعراض الانسحابية، وعلى طريقة "اخترنا لك" سيكون "المستريح" بطل القصة الأولى:

يندر أن يمر أسبوع، دون خبر من مصر عن ضبط "مستريح" جديد، ورغم أن النصابين ينتشرون في كل مكان، إلا أن كلمة "مستريح" التي أطلقها المصريون على هذه الشريحة، ليس لها مثيل في وقعها ودلالتها ورشاقتها الصحفية، ويكفي أن ترى هذه الكلمة حتى تعلم أن الحديث يدور عن تلميذ جديد لأحمد مصطفى، أو أحمد المستريح، وأن "شيخ الكار" القديم المقيم في السجن منذ العام 2015، كان "ملهما" لآلاف النصابين الصغار وهم يحلمون بالصعود من القاع إلى قمة الثروة، وربما كان الرجل في محبسه، يتلقى كل خبر من هذا النوع، بابتسامة ظافرة.

نجاح "المستريح" و"المستريحة"، مضمون طالما وجد الفقراء والبسطاء والواهمون، أما تفشي هذه الظاهرة فلا يتوقف حتى لو سقط كل يوم "مستريح" جديد.

قائمة الضحايا تضم محدودي الدخل في العشوائيات، وفلاحين ضاقوا ذرعا بمهنتهم وبمواشيهم،  وربات منازل يحلمن بالستر، وأرامل ومطلقات بعن كل المصوغات ومدخرات العمر لتأمين الكفاف، ومغتربين مساكين يلقون كل ما يملكون من مال في جيب نصاب، يعدهم - بكل مظاهر التقوى - بمضاعفة المبالغ وتقصير سنوات الغربة..

يبدو، أن لا فائدة من إطالة القصة، ويبدو كذلك، أنها تعاني من فقر فادح في الظرف، فلتكن المحاولة التالية من تونس، وبطل القصة المشعوذ بلقاسم الذي أصبح ذائع الصيت، ودخل عن جدارة قائمة "الملهمين":

تقول الأنباء الواردة من تونس إن هذا المشعوذ حطم جميع الأرقام القياسية المسجلة  في قاموس "المهنة" قبل أن يكمل عقده الخامس، إذ عاشر أو اغتصب نحو 900 امرأة، والأنكى، أنه لم يفعل ذلك بالمجان، بل كان يتلقى مالا مقابل حصصه في "استخراج الجن العاشق"، وربما كان بلقاسم يندب حظه العاثر الذي حرمه من الانتقال إلى خانة الآلاف، أو يكذب في سجنه الرقم المعلن، المنتقص من براعته.

تفاصيل استدراج الضحايا، و "آلية العمل" كتب عنها الكثير في الإعلام، وتبقى المعلومة الأشد فزعا هي قدرته على إسقاط نساء  يحملن شهادات جامعية، ومن مختلف الطبقات الاجتماعية، وأين، في تونس الأسبق في التنوير، كما هو شائع، والأكثر التصاقا بأوروبا.

قصة بلقاسم، أعادت إلى الأذهان دراسة أجراها الباحث التونسي زهير العزوزي في 2016، أفادت بوجود 145 ألف  مشعوذ في تونس مقابل 80 ألف طبيب، وكأن بلقاسم يرد بالوقائع، على المشككين بجدية البحث..

ما أرحم العودة إلى طوفان الأخبار اليومية، ودون الحاجة إلى استشارة الطبيب.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com