البحث عن "غرفة العقل"
البحث عن "غرفة العقل"البحث عن "غرفة العقل"

البحث عن "غرفة العقل"

لم يخالف الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، القاعدة الذهبية المتمثلة بقيادة حرب مقدسة، أو توهمها وافتعالها، ضد عدو متربص بالمصلحة القومية العليا، بحثا عن المشروعية والحجة الدامغة لتمديد استرخائه على كرسي الحكم.

بولسونارو، المستميت هذه الأيام لشد عصبه الانتخابي قبل استحقاق أكتوبر، وجد ضالته في النجم العالمي ليوناردو دي كابريو، الذي يبدي قلقه منذ أعوام على غابات الأمازون الآخذة في الانحسار، وحث شباب البرازيل عبر سلسلة من التغريدات، على التصويت بكثافة في انتخابات الرئاسة البرازيلية بهدف حماية الغابات المطيرة، وكأنه يطلب منح الأصوات لمن يناصر قضية البيئة والدفاع عن رئة الأرض، فكان رد بولسونارو في تجمع حاشد لأنصاره "من الأفضل لدي كابريو أن يخرس بدلا من التفوه بهذا الهراء!".

الرئيس الشعبوي، وهو من كبار المستخفين بالأثر المدمر لقطع غابات الأمازون، كان سعيدا بالاشتباك مع دي كابريو باعتباره خصما مثاليا، يمتلك من الشهرة والوسامة والصراحة، ما يجعل من شتمه فعلا بطوليا ودفاعا عن حق فقراء البرازيل والعالم  بزراعة المحاصيل بدلا من الغابات الهائلة عديمة الفائدة!.

قبل نحو عامين أصيب بولسونارو بفيروس كورونا، وكاد الرجل أن يفقد حياته ورغم ذلك لم يعترف أبدا بخطر الفيروس، وجدوى التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة، ما يجعل من احتمال اقتناعه بالخطر الوجودي لاختفاء غابات الأمازون، أقرب إلى المحال.

انخراط الفنانين الكبار في القضايا الإنسانية والشأن العام، سبق  ولادة دي كابريو نفسه، لكن ردود أفعال السياسيين والزعماء لم تكن بمثل هذه الحدة والتشنج العلني الذي نراه منذ أعوام، والمرشح للتفاقم مع اتساع فصيلة القادة الشعبويين..

وتحضر في هذا السياق قائمة طويلة من مواقف النجوم لعل أبرزها رفض مارلون براندو استلام جائزة الأوسكار في العام 1973 لأفضل ممثل عن دوره في فيلم "العراب" احتجاجا على ما تعرض له الهنود الحمر في أمريكا من عمليات قتل وإبادة، وموقف مايكل مور من حرب العراق وسياسات جورج بوش الابن، وصولا إلى انتقادات روبرت دي نيرو اللاذعة لدونالد ترامب.

أعداء القادة الشعبويين هذه الأيام، لا يملكون حصانة ليوناردو دي كابريو ومنابره الفعالة لرد الهجمات، فهم مجموعة من اللاجئين التعساء، والمهاجرين الفقراء الذين لا يستطيعون إخفاء لون الوجه، ومسقط الرأس ومكان السكن الحالي في ضواحي المدن الأوروبية.

كثيرون أغضبهم فوز رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بولاية رابعة، وهو المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين، وتعدد الثقافات في بلاده، لكنهم وجدوا نوعا من العزاء في هزيمة مارين لوبن في فرنسا، وأملا في المستقبل وهم يشاهدون فرنسيا يكسر بيضة على رأس المرشح اليميني المتطرف إريك زمور.

في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ابتكر  نادي "اي سي ميلان" الإيطالي مختبرا نفسيا فريدا أسماه "غرفة العقل"، الهدف منها شفاء اللاعبين بعد تعرضهم لأزمات قاسية في أعقاب خسارة كارثية أو إهدار ضربة جزاء مصيرية، وتمكينهم من التصالح مع الهزيمة واستعادة التوازن ومواصلة الحياة، وكان من زوارها لاعبون كبار من طينة فرانكو باريزي، وروبرتو دونادوني، وروبرتو باجيو.

يقال إن" غرفة العقل" تلك ساهمت في منح "ميلان" 21 لقبا خلال 23 عاما، وإن نتائج الفريق تدهورت بعد إغلاق الغرفة.

لا خيار أمام العالم اليوم إلا استنساخ "غرفة ميلان"، وإلغاء شرط اقتصارها على الرياضيين، وما أكثر المرضى الذين يستحقون أن نقيد أسماءهم على قوائم الانتظار.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com