نريد أن نرى الشمس
نريد أن نرى الشمسنريد أن نرى الشمس

نريد أن نرى الشمس

لا نعلم إن كان الطفل الأوكراني صاحب صرخة "أريد أن أرى الشمس"، التي أصبحت عنوانا عريضا لكل وسائل الإعلام، سيرى الشمس حقا، ولا نعلم إن كان سيخرج حيا من قبوه المحاصر في مدينة ماريوبول، بعد أن منح العالم المهووس بالجمل والصور الأيقونية، حجة دامغة أخرى لهجاء الحرب.

لكل حرب طفل وصورة، ومن دونهما ستبدو أقل فجعا وواقعية وقابلية للتصديق، فالحروب تبحث أيضا عن هوية ونسب، كي لا يكون مصيرها اليتم والنسيان.

لا تذكر حرب فيتنام، إلا وتحضر على الفور صورة "طفلة النابالم"، فان ثي كيم فوك، وهي تركض عارية هربا من جحيم النابالم الذي قصفت به قريتها جنوب فيتنام في العام 1972، وقد خلد اسمها وقصتها مصور وكالة "الأسوشييتد برس" نيك أوت، لكن الطفلة الضحية ردت له التحية في العام التالي ومنحته جائزة "بوليتزر".

قيل عن الصورة إنها كانت الأشد تأثيرا في الرأي العام الأمريكي والعالمي، فور نشرها على الصفحة الأولى في "نيويورك تايمز"، وذهب البعض إلى أنها غيرت مسار الحرب، بل، ووضعت نهاية لها.

ترى، هل كانت الحرب ستستمر بعد العام 1975، لو رفضت إدارة الصحيفة الأمريكية نشر الصورة - وقد ترددت في البداية بسبب عريها- وأخرت سقوط سايغون؟!

في العام 1993 صدم العالم بصورة طفلة المجاعة في جنوب السودان، والقصة معروفة: طفلة بدت في الرمق الأخير تزحف باتجاه مركز لتوزيع الطعام، ونسر متربص ينتظر موتها للظفر بالجثة الصغيرة، وخارج الإطار، المصور الجنوب أفريقي كيفن كارتر ينتظر اللحظة المناسبة لأخذ اللقطة.

اهتز العالم للصورة وهو يحملق في تفاصيلها المرعبة، لتأكيد جدارة كارتر بنيل جائزة "بوليتزر"، لكنه جبن عن استراق النظر إلى مجاعة السودان، وبدلا من ذلك انشغل بجدل مطول في العام التالي، حول علاقة الصورة ومشاهد مجاعة السودان بانتحار صاحب اللقطة الشهيرة.

عندما لفظ الطفل الفلسطيني محمد الدرة، أنفاسه الأخيرة في غزة قبل 22 عاما برصاص الجيش الإسرائيلي، وعلى الهواء مباشرة، قال العالم "هذا كثير  ويفوق القدرة على الاحتمال"، لكن هذا "الكثير" كان ضئيلا جدا قياسا لما ستشهده فلسطين ودول عربية أخرى على امتداد العقدين التاليين، بينما العالم لم يبدل عادته في ترديد الصرخة العاجزة نفسها أمام تواتر الصور الأيقونية: هذا كثير!.

صورة الطفل السوري إيلان كردي" نائما" على رمال شاطئ تركي بعدما لفظت الأمواج جثته في العام 2015، كانت كفيلة بتغيير مسار المحنة السورية لو كان العالم يحتكم إلى قوة الصورة.

بعد خمسة أعوام على ولادة الصورة الأيقونية "موناليزا الموصل" بعدسة العراقي علي الفهداوي، مازالت صاحبة الوجه الباكي المبتسم، الطفلة سبأ فيصل إبراهيم - لحسن الحظ - على قيد الحياة، لكن داعش مازال يتبنى الاغتيالات والعمليات الانتحارية، بينما أهل الموصل في مخيمات شمال العراق، يترقبون أخبار الأسرى والمفقودين.

آلاف الأطفال يموتون كل عام بالرصاص الأعمى وتحت ركام المدن المحروقة، يرقدون جثثا على الشطآن وفي قاع البحر الأبيض المتوسط وفي قبور مجهولة على حدود الحلم الأوروبي، والعزاء في عدسة بارعة وصورة تطوف المعارض.

يبدو أن العالم لم يكتف بما لديه من صور أيقونية..

إذاً، لا بأس من تجنيد فيالق إضافية من الكاميرات علها تمنح طفلا واحدا فرصة حقيقية لمشاهدة الشمس.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com