زعيم كل المواسم
زعيم كل المواسمزعيم كل المواسم

زعيم كل المواسم

لم أشاهد عادل إمام وجها لوجه إلا مرة واحدة، كانت في مهرجان دبي السينمائي عام 2005، وخلال مؤتمر صحفي بدا أشبه بعرض أول لأحد أفلامه أو مسرحياته.

كثيرون تابعوا الحدث وقوفا، بعد أن امتلأت مقاعد القاعة الهائلة قبل أكثر من ساعة على وصول الزعيم، وكأنهم على موعد مع فرجة استثنائية لا مع مؤتمر صحفي عادي للفنان الشهير.

في ذلك المؤتمر، كان عادل إمام طاغية بكل معنى الكلمة، يفجر القاعة بالضحك بتعليق خاطف ثم يسكتها بتقطيبة واحدة؛ إنه مراوغ من الدرجة الأولى، لا يتورط بجواب ولا يسمح لأحد باستدراجه، يضيق بالأسئلة الطويلة المؤدلجة، ولا يتورع عن إحراج أي إعلامي إن لمح في عينيه شبهة التذاكي.

بدا الفنان الكبير وكأنه في عزلة من نوع خاص جدا وسط الضجيج والأضواء، محتفظا بمسافة عن الآخرين رغم كل التدافع للاقتراب منه، وزع الابتسامات بغير حساب، والآراء القاطعة بتحفظ شديد، وقبل أن ينهي مؤتمره زود الصحف بعنوان عريض كأنه أعده وفرضه مسبقا "أنا فنان الشعوب لا الأنظمة".

الشق الثاني من العنوان يحتمل النقاش والجدل لمن أراد، لكن صفة "فنان الشعوب" لا يستطيع أحد سلبها من الزعيم أو إلصاقها بمحدث نجومية مهما انتفخت عضلاته وأجوره ومشاركاته في دراما الملاحم الوطنية.

حضر اسم عادل إمام في الموسم الرمضاني الحالي في خبر مقتضب، وهو غيابه للعام الثاني على التوالي عن الماراثون الدرامي، وهو التعبير الشائع منذ مدة، وكأن الفن تحول إلى سباق، البقاء فيه لصاحب اللياقة البدنية الأعلى الذي يحصد ثمرة عرقه في صالات "الجيم"، فكيف لفنان ثمانيني أن يتقدم بأوراقه الثبوتية للمشاركة في عمل درامي إن كان لا يستطيع الجري مئة متر أو يحمل رشاشا ثقيلا، وخمسين كيلو غراما من الحديد!

رافقنا عادل إمام منذ الطفولة، ولم يكن للأعياد معنى إن لم نشاهد مرارا وتكرارا "مدرسة المشاغبين" و "شاهد ما شفش حاجة"، وقد أصبحت "قفشاته"، جزءا لا يمكن الاستغناء عنه في حياتنا اليومية، ومخرجا خفيف الظل في المواقف المحرجة، مشفوعا باللهجة المصرية البسيطة والمحببة.

قدم لنا عادل إمام وصفة الضحك الصافي أمام تجهم الحياة، والأفكار المعلبة والضجر، ورصدت أفلامه تحولات المجتمع المصري والعربي على امتداد ستة عقود.

خلطة عادل إمام السحرية للنجاح، لا يمكن وضعها تحت مشرط الناقد القاسي، وتفكيكها إلى عناصرها الأولية، فقد مزج الفنان الكبير عبر مشواره الحافل وببراعة نادرة "إحنا بتوع الأتوبيس" و"المشبوه" و"الحريف" و"حب في الزنزانة" و"الغول" و"الهلفوت" و"المنسي" مع  "غاوي مشاكل" و"الأفوكاتو" و"بخيت وعديلة" و"النوم في العسل" و"الواد محروس بتاع الوزير".. قدم "التجربة الدنماركية" و "عريس من جهة أمنية" وانتقل من "السفارة في العمارة" إلى" عمارة يعقوبيان".

هو" مرجان أحمد مرجان" و"فلانتينو" و"الواد سيد الشغال"، وهو في كل وقت، عادل إمام.

خبر حسن، غياب الزعيم عن هذا الماراثون الرمضاني، والأحسن منه، أن يكون الغياب بقرار شخصي، لم يفرضه نقص اللياقة البدنية.

"إبراهيم الطاير" مازلت فتى.. نرجوك: لا تتوقف عن الحلم.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com