لماذا تقف اليابان ضد روسيا؟
لماذا تقف اليابان ضد روسيا؟لماذا تقف اليابان ضد روسيا؟

لماذا تقف اليابان ضد روسيا؟

في تصريحات لافتة خلال لقائه الأخير مع نظيره الأوكراني دميترو كوليبا في العاصمة البولندية وارسو، قال وزير الخارجية الياباني يوشيماسا هاياشي، إن بلاده مستعدة لاستقبال اللاجئين الأوكرانيين، مؤكدا أن طوكيو تعتزم تكثيف العقوبات ضد روسيا.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن مباشرة، لماذا تتبنى القيادة اليابانية هذا الموقف المتشدد ضد موسكو، رغم أن أوكرانيا تبعد آلاف الأميال عن اليابان، ولا تمثل أي أهمية إستراتيجية بالنسبة لها؟

لعل قرار اليابان بالحفاظ على وحدتها مع شركائها في مجموعة السبع، والدول الآسيوية الأخرى (كوريا الجنوبية وأستراليا وسنغافورة) في معاقبة روسيا على غزوها لأوكرانيا يستند إلى عاملين رئيسين..

أولا، قد يؤدي العدوان الروسي غير المبرر على بلد آخر إلى زعزعة استقرار النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكي.

وثانيا، يشعر المسؤولون اليابانيون بالقلق من أن الرد الدولي الضعيف أو الغائب على هذا العدوان قد يشجع الدول الأخرى على محاولة تغيير الوضع الراهن من خلال استخدام القوة.

هناك قلق ياباني خاص بشأن الوضع الأمني المحيط بجزر سينكاكو/ دياويو في بحر الصين الشرقي، والتي تسيطر عليها اليابان، لكن الصين تطالب بها وتعتبرها جزرا محتلة.

اقتصاديا، من المتوقع أن يؤدي التدهور في علاقات اليابان مع روسيا إلى تأثير مباشر على اقتصاد اليابان من خلال القنوات الثانوية بدلا من الأساسية، مثل: التجارة والاستثمارات.

روسيا ليست من ضمن أكبر 15 شريكا تجاريا لليابان، وتركز صادرات اليابان واستثماراتها في روسيا بشكل أساس على السيارات. مع ذلك تستورد اليابان أكثر من 90% من استهلاكها للطاقة، وهي عرضة لارتفاع أسعار الطاقة العالمية في أعقاب الأزمة الروسية الأوكرانية.

وفي الوقت نفسه، تعد روسيا أيضا مُصدرا مهما للبلاديوم، وهو معدن مهم لتصنيع محولات عوادم السيارات.

في هذا السياق، استوردت اليابان في العام الماضي، (وفقا لبيانات رسمية يابانية)، نحو 9% من غازها الطبيعي المسال (LNG)، وتقريبا 4% من النفط الخام من روسيا، ويتم توليد الكثير منه من مشروع النفط والغاز سخالين -2 المدعوم من قبل كبرى الشركات اليابانية المتعددة الجنسيات، مثل: ميتسوبيشي وميتسوي.

قد لا تفكر حاليا الشركات اليابانية في تعديل هذه العقود أو توريدها للغاز الطبيعي المسال من روسيا، ومن غير المرجح أن تضغط اليابان التي تعاني من ضائقة الطاقة من أجل فرض حظر أو تقييد على قطاع الطاقة في روسيا.

لكن يتوقع أن تكثف اليابان جهودها لتنويع وارداتها من الطاقة والسلع بعيدا عن روسيا. على المدى الطويل، سيؤدي ذلك إلى تسريع محاولات اليابان لتحويل استخداماتها للطاقة بعيدا عن الوقود الأحفوري وتوجيهها نحو طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين والطاقة النووية.

وهذا التحول إن تكلل بالنجاح، تداعياته لن تقتصر على روسيا فحسب، بل قد تمتد إلى مناطق عديدة في العالم، ومن ضمنها الشرق الأوسط.

على الصعيد الجيوسياسي، من المحتمل أن تسعى اليابان إلى تعاون دفاعي أوثق مع الحلفاء الإقليميين ردا على الاصطفاف الصيني الروسي الأقوى، ولعل طوكيو تتصور هنا أن إحدى النتائج المقلقة للأزمة الروسية الأوكرانية، وعزلة روسيا، هي تعميق التحالف بين موسكو وبكين.

وحسب التصورات اليابانية أيضا، التنسيق والتعاون الأمني المتنامي بين الصين وروسيا، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، يتركز على هدف مشترك: إضعاف وجود الولايات المتحدة وشبكة تحالفاتها في المنطقة.

هذه التصورات قد تدفع اليابان إلى السعي إلى تحالف أمني أكثر نشاطا مع شركاء إستراتيجيين يركزون على تحالفهم الأمني مع الولايات المتحدة، ومجموعة الرباعية (مجموعة دبلوماسية غير رسمية بين الولايات المتحدة واليابان وأستراليا والهند).

وربما تتقدم اليابان للانضمام إلى مجموعة تبادل المعلومات الاستخباراتية "العيون الخمس"، والتي تضم حاليّا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ونيوزيلندا، وأستراليا، وكندا. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن ترفع من دور اليابان الإستراتيجي في المنطقة، لكنها في المقابل في حال حصولها من المؤكد أن تثير شكوك الصين؛ ما قد يزعزع استقرار العلاقات الثنائية.

وربما أكثر ما يقلق طوكيو، احتمال أن تتأثر قدرة الولايات المتحدة على التركيز على منطقة المحيطين الهندي والهادئ نتيجة توترات جديدة في الشرق الوسط في حال فشل الاتفاق النووي مع إيران، و/أو بالحرب الروسية في أوكرانيا، خصوصا في حال تصاعدها وتعمق تورط بعض دول حلف الناتو بالصراع. على المدى القريب، قد يوفر تشتت انتباه الولايات المتحدة بعض الفوائد السياسية للصين في جوارها الآسيوي، حيث سيخضع نفوذها المتزايد لتركيز أو نزاع أقل.

ومن الناحية الاقتصادية، فإن غياب الولايات المتحدة من شأنه أن يعطي مساحة أكبر للصين لتشكيل قواعد التجارة والاستثمار في المنطقة، كما كانت تحاول القيام بذلك من خلال دعمها للصفقات التجارية الإقليمية الضخمة.

في المقابل، فإن الفوائد الإستراتيجية للصين في آسيا ليست محسومة أو واضحة المعالم. قد يعيد غزو روسيا لجارة صغيرة ومستقلة التأكيد على مخاوف الكثيرين في آسيا بشأن النوايا الصينية في المنطقة، خاصة إذا تخلت الصين عن موقفها الغامض بشأن الأزمة لتتماشى بشكل حاسم مع روسيا.

يمكن أن يسعى الكثيرون إلى إقامة علاقات أقوى مع الولايات المتحدة لتحقيق التوازن ضد الصين، وزيادة الإنفاق الدفاعي الخاص بهم.

قد يدفع حلفاء الولايات المتحدة، مثل: اليابان، وكوريا الجنوبية، للوصول إلى التكنولوجيا الصاروخية والنووية الأمريكية، كما فعلت أستراليا، ويشيرون إلى استعداد أقوى للمساعدة في الدفاع عن تايوان.

لكن في جميع الأحوال، بات من حكم المؤكد أن تضيف الأزمة الأوكرانية طبقة أخرى إلى البيئة الجيوسياسية المتزايدة التعقيد في آسيا، ومع اتساع التوترات السياسية والاقتصادية بين الصين والولايات المتحدة، قد نشهد في منطقة المحيط الهادئ بيئة جيوسياسية أكثر استقطابا وتعقيدا وانقساما، وزيادة في الإنفاق الدفاعي، وهو وضع غير مريح للعالم وقد يلقي بظلاله القاتمة على منطقة الشرق الأوسط.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com