درس في الجغرافيا
درس في الجغرافيادرس في الجغرافيا

درس في الجغرافيا

خالد شيا

يحلو للمحرومين من حرية السفر، إقحام كلمة الجغرافيا في أي حديث، حتى لو كان موضوعه جراحة الأسنان وآلام السرطان، ومخاطر السيجارة الإلكترونية، أو تحديثات قوانين الاتحاد الدولي لكرة القدم.

الجغرافيا هنا، لا علاقة لها بجوهر هذا العلم الواسع والمعقد، بل هي مجرد جهات، ومعلومات عامة من نوعية أسماء العواصم وأطول نهر وأعلى قمة جبلية وأكبر جزيرة، وأشهر مضائق البحار.. وكل ما يلزم لحل الكلمات المتقاطعة.

تستهوي هذه الشريحة بشكل خاص، مقاطع الفيديو التي تفضح جهل الأمريكيين والأوروبيين بأحوال العالم، والخلل "الجغرافي" الفادح عند أولئك المترفين الذين لا يعلمون أن منطقة الريفيرا الفرنسية، التي زاروها عشرات المرات، تقع على البحر المتوسط جنوبا وليس على المحيط الأطلسي غربا كما كانوا يتوهمون، وأن مدينة إسطنبول حيث يترددون كل عام، ليست عاصمة لتركيا.

يجري بلا انقطاع، حشو الدماغ بأرقام عجيبة، وإحصاءات سكانية لا تعني أحدا، وخرائط دول، ومعدلات الحرارة في القارات صيفا وشتاء، وفروقات التوقيت، وأسماء شوارع في مدن بعيدة..

يتواصل التخزين والمراجعة اليومية استعدادا لسؤال مفاجئ أو حديث عابر، وليس لامتحان سفر قد ينقضي العمر كله، دون أن يحين.

تحظى كلمات: طيار، طيارة، مطار، بتفخيم بالغ وبنطق متمهل أقرب إلى فعل التذوق، والتلذذ برائحة كل حرف.

وهذا، يفتح شهية، المقيم منذ الأزل في قرية أو مدينة معزولة عن العالم، لإطلاق عنان المعلومات المكبوتة أمام قادم من السفر، عن أحجام مطارات هيثرو ودبي وشارل ديغول، وأعداد المسافرين في مواسم العطلات وأفضل الأوقات لحجز التذاكر، ما يضطر العائد المتعب من رحلة طويلة، إلى إبداء الدهشة والاعتذار عن عدم معرفته بهذه الحقائق.

يهبط على قلبه بردا وسلاما، اعتراف المتشرد في عواصم الدنيا، أن الغربة لا تخلو من المرارات، ونوبات الحنين المؤلمة، وضجر الشتاءات الطويلة في الشمال الأوروبي المحروم من الشمس، والفصول الواضحة المعالم في حوض البحر المتوسط.

وهنا، تبدأ رحلة التعاطف مع "المتشرد" ومنحه جملة نصائح جغرافية حول البقاع الأوروبية الأجدر بالزيارة، والأكثر شبها ببلادنا، مستعينا بالأطالس التي يحفظها عن ظهر قلب.

يدور حديث عن جوائز نوبل، فيستدعي على الفور خريطة العالم المسطحة، ويقدم جردة رقمية مدهشة عن قائمة الفائزين التاريخية من كل دولة، مع مقارنة سريعة بين الشمال والجنوب، والشرق والغرب، ونسبة الفائزين إلى عدد سكان كل بلد ومساحته، ليصل إلى نجيب محفوظ فيسهب في الحديث، بحبور شديد، ليس عن الثلاثية الشهيرة أو "أولاد حارتنا" بل عن زهد الراحل الكبير بالسفر، وقضائه حياته المديدة في مصر بين القاهرة والإسكندرية، ورفضه التوجه إلى استوكهولم لتسلم جائزة نوبل للأدب التي نالها في العام 1988.

كثير من "المساكين"، يتناولون الكافيار وهم لا يعلمون أنه من بحر قزوين، وليس من الكاريبي، وأنه من سمك الحفش لا من السردين، وأن جبال الألب التي يتزلجون على سفوحها كل عام، أقل ارتفاعا من الهيمالايا!.

نحن المحرومين من الدواء، لا نستطيع الفكاك من المسكنات، والتمايل طربا مع أغنية خالد الذكر سيد درويش "سالمة يا سلامة".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com