في ظل العقوبات الغربية غير المسبوقة.. هل الاقتصاد الروسي معرّضٌ للانهيار حقًا؟
في ظل العقوبات الغربية غير المسبوقة.. هل الاقتصاد الروسي معرّضٌ للانهيار حقًا؟في ظل العقوبات الغربية غير المسبوقة.. هل الاقتصاد الروسي معرّضٌ للانهيار حقًا؟

في ظل العقوبات الغربية غير المسبوقة.. هل الاقتصاد الروسي معرّضٌ للانهيار حقًا؟

يريد برونو لو مير، وزير الاقتصاد الفرنسي الحالي، التحريضَ على انهيار الاقتصاد الروسي. غير أنّ الاقتصاديين يعتبرون أنّ هذا السيناريو غير مرجّح، لكنهم لا يستبعدون فرضية حدوث ركود عميق.

الطموحات الغربية واضحة. في هذا الشأن صرّح وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لو مير، على موقع فرانس إنفو في الأوّل من مارس: "سنشنّ حربًا اقتصادية ومالية شاملة على روسيا". هذه الصيغة بلهجتها العسكرية الواضحة تترجِم دون مراوغة الطموحَ الغربي: "السعي إلى التسبّب في انهيار الاقتصاد الروسي".

لقد كثّفت أوروبا وشركاؤها الغربيون، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، عقوباتهم الاقتصادية بالفعل في الأيام الأخيرة ضدّ بلد فلاديمير بوتين، المنخرط في حرب عسكرية ضد أوكرانيا.

ومن بين أمور أخرى ستُقصِي القوى الغربية بعضَ البنوك الروسية من نظام الدفع المصرفي الدولي السريع Swift، كما تمّ تجميد احتياطيات البنك المركزي الروسي المودَعة في الاتحاد الأوروبي ودول مجموعة السبع، لِمنع عودة السيولة إلى روسيا. لكن، هل ستكفي ترسانة العقوبات هذه، التي بدأت بالفعل بإحداثِ آثارها الأولى، لِتركيع الاقتصاد الروسي؟

صدمة الركود

لا بد، بالتأكيد، من أن تَدفَع الوارداتُ الروسية الثمنَ في النهاية. لا شك أنّ الإجراءات العقابية ستخلق صدمة من عدم الثقة التي ستؤدي بالروبل إلى أدنى مستوياته التاريخية. قبل أسبوع كان السعر 78 روبل مقابل الدولار الواحد. ويوم الثلاثاء صار الدولار بـ 98 روبل! وبالتالي فإنّ شراء نفس المنتج المستورد سيكلف الروس أكثر بكثير من ذي قبل، وهو ما سيتسبب في إذابة القوّة الشرائية للسكان ويُعرّض لخطر إفقارهم.

ومن المتوقع أيضًا أن تجميد احتياطيات العملات الأوروبية والأمريكية التي يحتفظ بها البنك المركزي الروسي سيؤدي إلى الإضرار بشدّة باقتصاد البلاد؛ فالمؤسسة النقدية ستجد نفسها محاصرة ومرتبكة بالفعل، "سيكون من المتعذر عليها أن تدعم الروبل باللجوء إلى بيع كميات اليورو والدولار التي جمعتها"، هذا ما قاله نيكولا بوزو، مؤسس شركة أستيريز للدراسات الاقتصادية والاستشارات. وفي محاولته للتحايل على هذه العقوبة التي تم الاتفاق عليها بالاشتراك بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، رفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة الرئيسي من 9,5  إلى 20%.

يتوقّع نيكولا بوزو أنّ "هذه الزيادة القوية للغاية، والتي هي أقوى بكثير من النمو والتضخم، ستؤدي إلى حدوث صدمة كساد"، فلن تتمكن الشركات الروسية بعد الآن من الاقتراض، إلا بمعدلات عالية للغاية، ومن عواقب ذلك حتمًا حدوث قحطٍ في الاستثمارات.

خطر التخلف عن الدفع

هناك خطر كبير آخر مرتبط بانخفاض قيمة الروبل، ويتعلق بالديون الروسية المتعاقد عليها بالعملة الأجنبية. في هذا السياق، قال فيليب كريفل، مؤسس شركة الدراسات والاستراتيجيات الاقتصادية لوريلو إيكوداتا Lorello Ecodata: "إذا تخلفت روسيا عن السداد فسوف يؤدي هذا الوضع إلى خلق موجة صدمة حقيقية، وسيفقد السكان كل الثقة في نظامهم المصرفي".

وبسبب الذعر الذي سيُصيبهم، فقد يقرر الروس سحب أموالهم من الشبابيك، أو من الصراف الآلي للبنوك، وهو ما قد يؤدي إلى حرمان المؤسسات المصرفية من السيولة.

سيناريو "التدافع نحو البنوك" bank run هذا يؤخَذ اليوم على محمل الجد، فحسب تحليل دينيس فيران، العضو المنتدب لمركز أبحاث Rexecode، فإنّ "القناة المالية سوف تتعطل، وسوف تتجمّد قناة التبادل ما بين البنوك. سيجد النظام المصرفي الروسي نفسه في وضع مشابه للأزمة المالية العالمية لعام 2008، حيث لم تعد البنوك تقرض بعضها البعض.

وهناك نتيجة أخرى، وهي أنّه في حالة التخلف عن السداد الروسي، فإنّ عددًا كبيرًا من المؤسسات المالية لن يرغب في إقراض المال لبلد فلاديمير بوتين، باستثناء الصين ربما، مراعاة واعتبارًا لشخص الزعيم. "عندما تكون دافعًا سيّئًا يصبح الأصدقاء ندرة".

التحمّل الروسي

"أضرارٌ جسيمة للاقتصاد"، نعم، فهذا أمرٌ مؤكد. انهيارٌ جذري وسريع للاقتصاد الروسي، لا طبعًا". هكذا يلخص نيكولا بوزو، مؤسس Asterès. سيناريو الانهيار الحقيقي هو في الواقع مجرد حلم بعيد المنال طالما تمكّنت روسيا من بيع غازها ونفطها.

وكما يحلل دينيس فيران من Rexecode، فإنّ "الانهيار يحدث عندما تصبح الدولة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها المدنيّين. ومع ذلك، فإنّ روسيا ستحصل على عائدات ثمينة من هيدروكربوناتها، وإذا كانت هذه العائدات باليورو أو بالدولار فستسمح لها أيضًا بتزويد ميزانيتها بمجرد تحويلها إلى روبل".

بل ومن المحتمل جدًا أن تُظهِر روسيا صمودًا ومقاومة قصوى.

لقد كان الروس يهيئون صلابةَ وقوّة اقتصادهم منذ سنوات، فبعد أن كانوا تابعين للخارج في الحصول على القمح أصبحوا مصدّرين له.

هكذا تقول سيسيل فيليب، رئيسة معهد موليناري الاقتصادي. لقد قلّل الكرملين، الذي عوقِب بالفعل في عام 2014 بعد ضمّ شبه جزيرة القرم، من اعتماده على الغرب. من المؤكد أنّ الاتحاد الأوروبي سيظل أكبر شريك تجاري له، لكنّ حصته سوف تتراجع، بينما ستتزايد حصة الصين.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com