إسرائيل بلا عقيدة أمن؟!
إسرائيل بلا عقيدة أمن؟!إسرائيل بلا عقيدة أمن؟!

إسرائيل بلا عقيدة أمن؟!

نظير مجلي

في الأسبوع الماضي، فجر أحد كبار جنرالات إسرائيل، غادي آيزنكوت، قنبلة مدوية في المجتمع الإسرائيلي، لكن لسبب ما، لم تترك الأثر الذي تتركه قنبلة.

لقد بدا وكأنها "قنبلة كبسون"، كتلك التي يلهو بها الأولاد. وتم العبور عنها في الإعلام، والاهتمام بأمور أخرى قالها.

الأمور الأخرى التي قالها، خلال أول مقابلة صحفية معمقة يجريها منذ خلعه البزة العسكرية قبل ثلاث سنوات، أدلى بها للمراسل السياسي في صحيفة "معريب"، بن كاسبيت، وكانت مهمة جدا بالتأكيد؛ فهي تتعلق بالتهديد الإيراني المتمثل في اندفاعها نحو النووي وفي مشروع الهيمنة بواسطة أذرعها على المنطقة.

وتحدث عن حزب الله اللبناني، الذي يراكم الصواريخ ويحسن دقتها، وعن محاولات حماس تأجيج الضفة الغربية، وانفجار تظاهرات البدو الذين يشعلون النقب، وقال أموراً مهمة بالتأكيد، مثل ضرورة إحداث انعطاف في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، ووقف التدهور نحو "الكارثة القومية التي نتدحرج إليها بممارستنا التي تقود إلى إسقاط فرصة حل الدولتين والغرق في حل الدولة الواحدة".

وحذر آيزنكوت من انتفاضة فلسطينية ثالثة قادمة حتماً، وأعرب عن قلقه الشديد على الشروخ في المجتمع الإسرائيلي وتفكك التلاحم الاجتماعي والداخلي في دولة إسرائيل.

وقال إن "الشرخ في المجتمع الإسرائيلي والمناكفة المتبادلة، وتردي الأداء في السلطة وتراجع الثقة في مؤسسات الدولة، في المحاكم، والجريمة، كل هذه هي التهديد الأكبر على مستقبل الدولة، أكثر بكثير من التهديدات القادمة من إيران وحزب الله وحماس والصراع مع الفلسطينيين، كلها مجتمعة".

لا شك في أن هذه القضايا مهمة، وما قاله الجنرال آيزنكوت بشأنها أيضا مهم، ولكن هناك شيئا آخر قاله، ولم يثر الاهتمام الملائم؛ وهذه هي القنبلة التي أقصدها. قال: "لا توجد في إسرائيل عقيدة أمنية".

وآيزنكوت ليس مجرد جنرال آخر، يطلق رأياً مخالفاً لآراء زملائه، وهو ليس رئيس أركان آخر من مجموع 22 رئيس أركان في التاريخ الإسرائيلي.. إنه يعتبر أحد أكثر الشخصيات العسكرية مهنية.. وليس صدفة أنه اليوم يعمل باحثاً كبيراً في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، الذي يحتل المرتبة الـ 26 بين معاهد البحوث في العالم.

وعندما يقول عن إسرائيل إنها لا تمتلك عقيدة أمنية منذ تأسيسها وحتى اليوم، فإنه تصريح مرعب تماماً.

فأية دولة هذه هي التي تُدار من دون عقيدة أمنية؟ وإذا كان الأمر ملائماً لدولة صغيرة نائية لا تخوض صراعات عسكرية أو استراتيجية، فهل يجوز لدولة قامت من يومها الأول على صراع دام ويعتبر الأمن فيها بقرة مقدسة؟

هكذا يتحدث آيزنكوت: "اسأل نفسك للحظة ما هي الأهداف القومية لدولة إسرائيل؟ أرسل رئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير المالية ووزير القضاء إلى خمس غرف منفصلة، وأعط كلا منهم ورقة وقل لهم اكتبوا لي ما هي عقيدة الأمن لإسرائيل.. ما هو المفهوم الاستراتيجي العام؟ ما هو المفهوم الاستراتيجي تجاه إيران أو في الساحة الفلسطينية؟ ما هي المناعة القومية للمجتمع الإسرائيلي؟ ما هو سلم الأولويات؟ كل واحد سيكتب شيئاً آخر".

ويشير الجنرال آيزنكوت إلى أن "إسرائيل تعيش بلا عقيدة أمنية واضحة منذ تأسيسها قبل 74 عاما. ولذلك فإن هناك إمكانية لأن تكون إحدى النتائج المتوقعة لهذا هي إمكانية أن نصل، بغير إرادتنا، إلى حل الدولة الواحدة، وهذه ستكون كارثة. هذا خلل أساسي وجدي جداً، وسيوثر على كل نمط عمل الدولة".

وعندما يطلب الصحفي منه أن يوضح أكثر، يجيب: "دعنا نبدأ من البداية. عندما توفي غولمب (يقصد إلياهو غولمب، الذي كان أشبه بوزير دفاع لتنظيمات الحركة الصهيونية قبل قيام إسرائيل)، وانتقلت حقيبة الأمن إلى دافيد بن غوريون في عام 1946، لم يكن يعرف شيئا. درس، قرأ كتابات تشرتشل وتأثر به جداً، تعلم تحديات أمن الدولة القادمة. في 1948 كان رئيس الأركان يعقوب دوري يعالج في مستشفى في حيفا. وتم الاشتباه بأن نائب رئيس الأركان هو عميل أجنبي. من يدير الحرب هو رئيس شعبة العمليات، يغئال يدين".

وتابع: ".. وتشاجر بن غوريون مع يدين حول معارك اللطرون. يدين يقول له أنت سياسي، أعطِ الأوامر واسكت. أنت لا تعرف كيف يعمل مدفع الهاون. لقد انتصرنا في الحرب رغم الخلافات. ولكن، في 1953 بعد أن استقال يدين بسبب تقليص ميزانية الأمن وإغلاق المغسلة العسكرية ومستشفى عسكري في تل هشومير، أخذ بن غوريون إجازة لخمسة أسابيع وكتب ما يسمى "نقاط بن غوريون الـ 18".

مختلف أنواع المبادئ المختلطة التي لا يربطها أي شيء بمفهوم الأمن. ومنذ ذلك الوقت، توجد أسطورة تقول إن بن غوريون كتب مفهوم عقيدة الأمن للدولة.

هذا ليس صحيحا.. كان له فهم للتحديات ومفهوم عام للاتجاهات التي انتقلت من الأب إلى الابن.  ولا شيء آخر.

لنقفز عشرات السنوات إلى الأمام. شاؤول موفاز، في خطوة شجاعة، قام بتعيين دان مريدور الذي شكل طاقما ضم عددا غير قليل من المهنيين، غابي أشكنازي وكثيرين آخرين. وقام هؤلاء بكتابة وثيقة جدية جدًا. وقدموها، لكنها منذ ذلك الوقت مجمدة في مكان ما. حاولت أنا أن أكتب فلم يعملوا وفق نظريتي واصطدموا بأفكاري الاستراتيجية".

لا تستغربوا إذن، أنه حتى في دولة مؤسسات مثل إسرائيل، يتسلل مرض العصر: الميل أكثر إلى الفوضى والضبابية وغياب قادة ذوي قامة يتعاملون مع السياسة كفن إبداع ومسؤولية عليا.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com