"... وخير جليس في (ألمانيا) كتاب"
"... وخير جليس في (ألمانيا) كتاب""... وخير جليس في (ألمانيا) كتاب"

"... وخير جليس في (ألمانيا) كتاب"

إبراهيم حاج عبدي

بلغ عدد الكتب التي تم بيعها في ألمانيا خلال عام 2021 الفائت 273 مليون كتاب، بحسب تقرير لمجلة "دير شبيغل" الألمانية، المعروفة برصانتها.

ليس الهدف من ذكر هذا الرقم هو التباهي بـ"ثقافة الألمان"، فهذا شأنهم، ولهم مراكز ومؤسسات تهتم بهذا الجانب، على أكمل وجه، وإنما لإظهار الفروق الشاسعة في مجال الكتاب والقراءة بين بلد أوربي، وهي هنا ألمانيا، كمثال، وبين البلاد العربية مجتمعة.

خلال البحث في الإنترنت من الصعب العثور على أرقام موثقة حول صناعة الكتاب ونسب القراءة في العالم العربي، غير أن أرقاما متناثرة هناك وهناك، تجمع على أن الكتاب، الذي كان "خير جليس في الأنام" ذات يوم، كما يقول المتنبي، بات يحتل ذيل قائمة اهتمامات العرب.

وبالمقارنة مع الرقم الألماني "المشرّف"، سنجد معلومات وإحصائيات صادمة ومرعبة عن نسب القراءة المتدنية في العالم العربي، وسط معوقات كثيرة تعترض صناعة النشر والتوزيع والترجمة، بدءا من سطوة الرقابة التي تختزل، كما هو شائع، في "الدين والجنس والسياسة"، مرورا بنسب الأمية العالية، رغم التفاوت بين بلد وآخر، وصولا إلى ضآلة مستوى الدعم الرسمي الذي تتلقاه صناعة النشر، دون أن نغفل هيمنة تكنولوجيا الاتصال التي ساهمت، بهذا القدر أو ذاك، في تقويض مكانة الكتاب.

وسط هذه المعوقات الكثيرة يصارع الكتاب الورقي للبقاء، إذ لا يتجاوز النسخ المطبوعة من أي كتاب في العالم العربي الألف نسخة، يفترض أن تكون لنحو 400 مليون شخص، وهو العدد التقريبي للسكان الناطقين بلغة الضاد، وإذا ما كان الكتاب قيما ورائجا فقد تطبع منه ثلاثة آلاف نسخة، ونادرا ما يتجاوز عدد النسخ هذا الرقم المخجل.

وما يزيد من قتامة الصورة، هو أن الكتب التي تحظى ببعض الرواج، كما تشير قائمة الكتب الأكثر مبيعا في معارض الكتب العربية، هي كتب الطبخ والأبراج والموضة أو كتب "الدعاة الإسلاميين" المليئة بالأوامر والنواهي والوعظ والتلقين الفج، وكذلك كتب من نوع "كيف تصبح مليونيرا" أو "كيف تتعلم اليابانية في عشرة أيام" إلى آخر هذه القائمة البائسة التي لا تقترب من الهم المعرفي والثقافي والفكري، ولا تطرح أي أسئلة إشكالية.

واللافت وسط هذه "الضحالة الثقافية"، أن الفضائيات، التي تحظى، في وقتنا الحالي، بالمتابعة وتلعب دورا رئيسا في صياغة الرأي العام، لا تلتفت إلى هذا القصور، بل تكرس الخفة والتسلية والقيم الاستهلاكية، إذ يستطيع أي متابع أن يلاحظ أنه إزاء المئات من الفضائيات المتخصصة في الرياضة والطبخ والموضة، مثلا، لن يجد فضائية واحدة تختص بعالم النشر وصناعة الكتاب وآليات التوزيع، ناهيك عن بخل الفضائيات حيال الانفتاح على قامات معرفية وثقافية وفكرية ليست قليلة في العالم العربي، بينما تخصص مساحات مطولة للمهرجين والثرثارين والمنجمين ومطربي الدرجة العاشرة...

كان الشاعر والكاتب الأرجنتيني بورخس يتخيل بأن "الجنة" لا يمكن أن تكون إلا على شكل مكتبة كونية مذهلة، في إشارة إلى "قدسية" الكتاب، ويبين مواطنه ألبرتو مانغويل كيف تضفي كلمات الكتب التناغم على العالم وتمنحنا "أمكنة آمنة قليلة، حقيقيةً كالورق ومنعشة كالحبر، فتهبنا مأوى ومائدة في عبورنا خلال الغابة المظلمة والمجهولة الاسم".

وفي التراث العربي نعثر على الكثير من الكتابات المماثلة التي تتغنى بالكتاب، فـ"فعل" (اقرأ) كان أول أمرٍ ربانيّ نزل على النبي (ص)، وكذلك جاء في القرآن الكريم عبارة "خذ الكتاب بقوة"،  بينما مدحه الجاحظ، الذي توفي في صومعته إثر وقوع الكتب عليه، بالقول: "نعم الذخر والعقدة، ونعم الجليس والعدة، ونعم العشرة والنزهة، ونعم الأنيس لساعة الوحدة، ونعم المعرفة في بلاد الغربة"، وغني عن البيان أن بغداد ودمشق والقاهرة كانت، في زمن ما، منارات عالمية للتأليف والترجمة ونشر المعرفة... والسؤال الملح الآن، هل من حلول تعيد الاعتبار للكتاب؟ ربما كان الجواب غافيا في بطون الكتب، لكن لا أحد يقرأها!.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com