صورة الأسبوع.. مناصفة
صورة الأسبوع.. مناصفةصورة الأسبوع.. مناصفة

صورة الأسبوع.. مناصفة

مصطفى أبو لبدة

مساء كلّ أحد، تنشر صحيفة "نيويورك تايمز" صورةً تراها مثيرة للاهتمام، وفي اليوم التالي، تجعل هذه الصورة مادةً للمناقشة مع ذوي اختصاص إعلامي في مجال التفكير المرئي.

وإذ تديم هذا النقاش وتوسّعه حتى يوم الخميس التالي، فإنها في ذلك تستهدف تبرير لماذا اختارت هذه اللقطة بالذات وجعلت منها "صورة الأسبوع"، كونها صورة تمتلك، في العادة، من المفارقات ما يتحدى الرغبة باستقصاء الخلفية لها.

مثلاً، صورة المقدسي محمود صالحية التي عممتها السوشيال ميديا يوم الاثنين الماضي، هي من نوعيات "صورة الأسبوع" التي عادة ما تُستخدم لبناء قصة إخبارية متحركة تستوطن الذاكرة.

أظهرت هذه الصورة الرجلَ وهو يعتلي سطح بيته في حي الشيخ جراح بالقدس، وإلى جانبه أسطوانة غاز يتسلح بها مهدداً بتفجير نفسه وأهله والمنزل، إذا ما اقترب الأمن الإسرائيلي لإخلاء البيت بالقوة، تنفيذاً لحكم قضائي يعتبره الصالحي جائراً.

أما صورة محمود صالحية، التي لم يُعرف مَن التقطها، فتجمع مفردات عفوية تستنفر رغبة القراءة عن كثب: قامته واقفاً حليق الرأس خلف شبك نصفي، فيما أكمام سترته مخططة طولياً، مِنْ خلفه القدس وأمامه مَنْ يُفترضُ أنهم أبناؤه.

أساس الخبر، الذي عممته في النت "صورة الأسبوع"، هو أسطوانة الغاز التي تصل في ارتفاعها إلى خصره. نقلها الرجل إلى سطح البيت لتكون بديلاً - في حماية البيت - عن السلاح الناري المحظور.. حماية يراها شرعية، وإنْ بأسلوب انتحاري، وهي المفارقة التي تستنطق التفكير المرئي والجدل.

كان هذا يوم الاثنين الماضي؛ لقطة مصوّرة فذّة، في سياق قصة إخبارية أخذت مداها في المراوحة بين رسائل المقاومة واليأس، لمدة يومين، وانتهت صباح أمس الأربعاء بمشهد مأساوي تكرر آلاف المرات، مع فارق أن الشرطة الإسرائيلية وثقت، هذه المرة، صورة الجرافات وهي تهدم البيت، وبثّتها مسجلة على الإنترنت.

وللصدفة، فقد تكرر المشهد الفلسطيني بنسخة لبنانية بعد ذلك بساعات، فأعطى لـ"صورة الأسبوع "مساحة أوسع وأكثر قابلية للتعميم.



عبد الله الساعي، من البقاع اللبناني الغربي، ومن أجل تحصيل حقه في وديعة بنكية موقوفٌ صرفها إلا بضوابط رسمية مجحفة، اقتحم البنك مسلحاً بمسدس وقنينة بنزين.. هدد بنسف البنك وإحراق نفسه، إن لم يحصل على وديعته.

نجح التهديد "بميانة" القوة الأمنية التي ضمنت له الحصول على وديعته، إذ سلّمها لزوجته التي كانت تنتظره في الخارج.

أما بقية القصة فمعروفة، حيث أمرت النيابة العامة بتوقيف الفاعل وإعادة المبلغ بدعوى أنه استحصل عليه بالقوة غير المشروعة.

يُسمّون ذلك جريمة "استيفاء الحق بالذات"، اقترفها مواطن لبناني، لأنه لم يجد في الدولة أو القانون ما يعيد له حقه سوى التهديد بحرق نفسه والخصم بالبنزين، تماماً مثل المواطن الفلسطيني المقدسي الذي لم يجد من يمنع تجديد تشريده سوى التهديد بحرق نفسه وأهله بأسطوانة الغاز.

و"صورة الأسبوع" التي أسبغوها يوم الاثنين على لقطة الصالحي وأسطوانة الغاز في القدس، جرى يوم الأربعاء تقاسمها مناصفة مع اللبناني عبد الله الساعي الذي انتهى متهماً باستيفاء الحق بالذات.

طريفٌ رشيقٌ ومريب، تعبير "استيفاء الحق بالذات" وهو يُذكّر ببعض الشعارات الخشنة التي كان رفعها نشطاء الحراكيين في مهرجاناتهم بوسط بيروت قبل عامين.

ويستحق هذا التعبير أن يكون شريكا في "صورة الأسبوع" العربية التي تتحدى قدرتك على استقصاء حجم اليأس الذي يشكّل خلفيتها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com