ليلة مع الكنيست الإسرائيلي
ليلة مع الكنيست الإسرائيليليلة مع الكنيست الإسرائيلي

ليلة مع الكنيست الإسرائيلي

نظير مجلي

في هذه الأيام أتمّت الحكومة الإسرائيلية برئاسة نفتالي بينيت نصف سنة على قيامها، لكنها لم تحتفل بالمناسبة، بل دخلت في سباق ماراثوني مع المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو، وكادت تهوي من علٍ، لولا أنها جلبت نائبة شابة خرجت من غرفة الولادة قبل أيام معدودات، حتى تشترك في التصويت لإنقاذها.. ولولا أن آلام الولادة هي أصعب وأقسى الآلام في الدنيا، لقلنا إن بينيت ورفاقه عانوا آلامًا أشد.

كان ذلك اختبارًا آخر مثل عشرات الاختبارات التي تخوضها هذه الحكومة منذ تشكيلها في يونيو الماضي، ومعروف أنها ذات تركيبة عجيبة، فيها 8 أحزاب صغيرة ومتوسطة.. 3 أحزاب منها يمينية صرف، بعضها يمينية أكثر من المعارضة اليمينية. وفيها 3 أحزاب من الوسط الليبرالي. وفيها حزب يساري. وفيها أيضًا، ولأول مرة حزب عربي، بقيادة الحركة الإسلامية الجنوبية، برئاسة النائب منصور عباس. أحزاب الائتلاف اتفقت على ألا تتفق على الأمور الجوهرية في السياسة، وهذا سر نجاحها.

وبما أن اليمين فيها لا يؤيد حل الدولتين في الصراع الاسرائيل الفلسطيني، اتفقوا على ألا يديروا مفاوضات مع الفلسطينيين. ليس بالضبط مع الفلسطينيين، بل مع السلطة الفلسطينية في رام الله. لكنهم يديرون مفاوضات للتهدئة مع حماس. وبما أنهم يختلفون حول السياسة الاقتصادية والاجتماعية، والاستيطان، وتهويد القدس، وغيرها، اتفقوا على السير بين النقاط. فمرة يتخذون قرارات تزعج اليمين، ومرات يتفقون على سياسة تزعج اليسار والعرب.

وهم مختلفون ومتفقون في التعاطي مع النووي الإيراني، وحول العلاقات مع الولايات المتحدة، وحول موضوع سوريا. وكيف هذا؟ مختلفون في السياسة ومتفقون على ترك الأمور لقوى الأمن، الجيش والمخابرات. لكن أهم اتفاق بينهم، بل السر الذي يجمعهم ويجعلهم يحاربون ذواتهم ويتناقضون مع مبادئهم، هو الإصرار على البقاء في الحكم، وضمان ألا يعود بنيامين نتنياهو إلى الحكم. نتنياهو، عمليًا، هو الصمغ الذي يجعلهم متلاحمين. لو أن اليمين المعارض يتخلى عن نتنياهو وينتخب أية شخصية أخرى لقيادته، لما كان بمقدور الحكومة أن تصمد شهرًا واحدًا.

لكن اليمين المعارض لا يجرؤ على التخلي عن نتنياهو، ويفتقد للثقة في النفس التي تتيح لهم إدارة معركة للفوز بالحكم من دونه. ومع أن الائتلاف الحكومي يتألف من أكثرية صوت واحد فقط (61 مقابل 59 نائبًا)، فإنهم يسلّمون ويستسلمون أمام الحكومة الهشة. وينتظرون أن تقع الحكومة في خطأ ما فتسقط.

في ظل هذه الحالة، يعقد الكنيست (البرلمان) جلساته. وفي الليلة التي بلغت فيها الحكومة 6 شهور من العمر، عقدت جلسة ماراثونية لحوالي 10 ساعات متواصلة لإقرار 3 قوانين حساسة. وقد سهرنا مع النواب في تلك الليلة، حتى مطلع الفجر. نفتالي بنيت كان في زيارة اعتبرت تاريخية للإمارات، فجعلها زيارة قصيرة أقل من يوم واحد، وعاد مباشرة للمشاركة في التصويت. ووزير الدفاع، بيني غانتس، كان في زيارة للولايات المتحدة تباحث فيها حول خطة مشتركة لمواجهة المشروع النووي الإيراني، وأؤكد "خطة مشتركة" تتضمن تدريبات مشتركة على ضرب إيران، وتقاسم أدوار للضغط عليها بالتهديد باستخدام الخيار العسكري، وقائمة طلبات بأسلحة أمريكية جديدة تحتاجها إسرائيل لتستطيع التهديد بقصف المفاعل النووية القائمة في باطن الأرض والجبال. وعاد غانتس هو أيضًا بسرعة ليشارك في التصويت. وقد دخلا أولًا في عزل كورونا وصوّتا من داخل غرفة الحجر في الكنيست.

المعارضة من جهتها خاضت معركتها بلا رحمة. فقد تصادف أن جاء عيد الحكومة نصف سنة في نفس اليوم الذي يُحيى اليهود فيه "العاشر من تبيت"، وهو اليوم الأول للحصار الذي فرضه جيش ملك بابل، نبوخذ نصر، على القدس والذي انتهى بعد 18 شهرًا عبريًا بخراب هيكل سليمان، وتشرد اليهود. وقد وقف النواب من الليكود والأحزاب الدينية الواحد تلو الآخر يقاربون ما بين المناسبتين ويعدون ذكرى تأسيس الحكومة مثل ذكرى خراب الهيكل. وقد دعا بعضهم بالصوم حدادا.

في تلك الليلة شهدنا مفارقات عدة. ترأس معظم جلسات الكنيست، نائب الرئيس أحمد الطيبي، وهو من "القائمة المشتركة" للأحزاب العربية المعارضة، والتي يرأسها النائب أيمن عودة. والطيبي يعتبر اليوم أبرز وأقدر برلماني. وبحسب القانون يجب أن يحضر الجلسات ممثل عن الحكومة، وكان الممثل لفترة طويلة من الجلسة الوزير العربي من اليسار، عيساوي فريج، أو الوزير العربي الثاني من حزب ليبرمان، حمد عمار. ولأن عودة وجّه خطابه للحركة الإسلامية، فقد ألقاه باللغة العربية، وسط صراخ النواب اليهود: "نريد ترجمة".

وغالبية النواب العرب هاجموا عباس لوجوده في الائتلاف ولحرصه على بقاء الائتلاف، لدرجة أنه بات يستخدم خطابًا سياسيًا مرضيًا للحلفاء من اليمين: "هذه دولة يهودية ومن لا يعجبه فليسلم بطاقة هويته". لكن الهجوم الأكبر ضدها جاء من اليمين المعارض، الذي يعتبرها "طابورًا خامسًا".

وأكثر كلمة استخدمها النواب المتحدثون في هذه الجلسة، من الائتلاف ومن المعارضة، تنحدر من الجذر "خجل". فقد راحوا يصيحون: "أنتم لا تخجلون"، أين الخجل"، "اخجل"، "واخجلاه" وهكذا. وفي اليوم التالي كانت هذه الكلمة نفسها بارزة في تقييم أعضاء الكنيست: "اخجلوا".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com