إمارات الأحلام الكبيرة
إمارات الأحلام الكبيرةإمارات الأحلام الكبيرة

إمارات الأحلام الكبيرة

رمزي الغزوي

إذا كانت الأشجارُ معنيةً وحدها، بأن تحتفظَ في جذوعها بدوائر شبه مبعوجة تمثّل عدد ما تعاقب عليها من سنوات ودهور؛ فإنه في حيوات البشر ومعاشاتهم، لا شأن لعدّاد الأيام على خرائط الزمن، إن لم تقترن السنوات بما تركته من أثر. والدول كذلك.

فكم من دولة دالت وتلاشت مضمحلة دون أن تكتبَ سطرا في سجل الحاضرين، أو أن يشكل غيابها بذرة لسؤال في خلد الغابرين.

نبتهج اليوم مع دولة الإمارات العربية الشقيقة، وشعبها والمقيمين على أرضها بيوبيلها الذهبي. ونفرح لها وبها ومعها، بتفاؤل لا نخاف أن يكون مفرطا، ليس لأن أثرها بات عالميا له فرادته وخصائصه فحسب، بل لأننا نراها منجزا إنسانيا عظيما يمكنه أن يكون أنموذجا لمعنى اخضرار رمل طالما أشيعت استحالته.

درّسني معلمٌ في الإعدادية كان عائدا للتو من العمل في إمارة أبو ظبي، بعد عقد ونصف على تأسيس الدولة. يومها كان مبهورا، وكأنه مأخوذ بموجة سحر، وهو يشرح تطور الحياة وهي تشقّ دربها في الكثبان الكثيفة. ويومها قال: إنهم يملكون حلما كبيرا، وإنّ ذا الأحلام الكبيرة أقوى من ذي المعارف الكبيرة. لم استوعب ذلك القول، إلا بعد ربع قرن، حين زرت الإمارات، وقرأت الترجمة الحية بكل تجلياتها.

في نهاية ذلك الدرس، سرد المعلم قصةً ما زالت تخلد في ذاكرتي، عن صياد يعاني من حظه العاثر، بشكل غريب عجيب. فهو لا يصطاد إلا السمك الكبير، الذي يعيده إلى الماء بحسرة؛ لأنه يريد سمكا صغيرا؛ بحجة أنه لا يملك مقلاة كبيرة. يومها ضحكنا ولم يوقف ضحكنا إلا صوت المعلم يختم درسه: الإمارات كبّرت مقلاتها منذ البدء.

المدن والدول لا تقاس بحجمها ولا بسنوات عمرها، ولا بعدد سكانها أو المقيمين فيها.

بل تقاس بما يُعتدُّ به في سجل الحضارات، وهو همة أهلها وحضور وعيهم نحو استطاعة إحداث التغيير والتقدم واستجلاب الفرص وخلقها والاستعداد لها والتمهيد لاهتبالها. يقاس في إدراكهم أن سباقات الإنجاز لا خط نهاية لها.

فهذه الدولة الاتحادية ومنذ يومها الأول استعدت، وبرمجت نفسها ألا تنتظر إلا الفرص الكبيرة. كما أنها لم تنتظر على الشواطىء أن تأتي بالخيرات، بل جابت لأجلها الآفاق، فراح كل أفق يخلقُ أفقا جديدا ترنو إليه بشغف. وهذا هو السّر الذي لا يلمحه الكثيرون.

الذين يقولون إن النفط كان فيصلا في ما نشهده اليوم من تقدم وحضارة في هذه البلاد؛ يعرفون أن النفط أكثر في بلدان ما زالت تتلعثم في شبكات المياه والكهرباء، وما زالت طاردة لأهلها قاسية عليهم. بل الفيصل في رأيي كامن في القيادة التي تشكل نقطة فاصلة في التطور المبني على قوة الحلم، القادر على إنجازات تتجاوز المدى الزمني، وتختزل المسافات الكبيرة.

يحسب للإمارات ثقافة التسامح المتأصلة بكل ما فيها من سامي المعاني وظلال القيم، فهي صاغت معادلة مختلفة في الحرية الاجتماعية وعدالتها، وفي القدرة على استيعاب البشر بكل أطيافهم، بحيث يشعر كل منهم وكأنه يعمل لبلده ونفسه، بعيدا عن الشعارات الطنانة التي قصمت ظهورنا.

لا تتخذ الإمارات من مؤشرات النمو الاقتصادي، على أهميتها، معيارا وحيدا لقياس نجاح المشروعات الإنتاجية والخدمية. بل هي تقيس النجاح بما تكسبه تلك المشروعات لناحية جودة الحياة، ومن قيمة مضافة ملموسة لها، وبما تحدثه من نموّ متوازن ومستدام، وبما تخلقه من فرص عمل وتدريب وتأهيل.

مقلاة الإمارات من النوع القابل للتوسع والتعمق والتمدد، وأن حلمها لا محدود، وهذا هو المشهود اليوم.

وقديما قالوا، إن البلاد الصغيرة بحاجة إلى خناجر كبيرة، وأنا أضيف، ما أحوج الأمم الصغيرة والكبيرة معا إلى الأحلام الكبيرة.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com