بـِزنس إز بـِزنس
بـِزنس إز بـِزنسبـِزنس إز بـِزنس

بـِزنس إز بـِزنس

نظير مجلي

لا أدري كيف توصل هذا العدد الكبير من المحللين والمراسلين إلى الاستنتاج بأن هناك خلافات عميقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأمريكية حول الموضوع الإيراني، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، يسلك نفس مسلك سلفه، بنيامين نتنياهو، في مصادمة البيت الأبيض.

فما هي حقيقة الموقف الإسرائيلي الرسمي؟ وهل حقا نعود إلى حلقة أخرى في مسلسل الخلافات التي تجلت في زمن الرئيس الأسبق باراك أوباما، أم أن وراء هذا النشر يوجد هدف آخر؟.

هذه الأسئلة تذكرنا بطرفة تتردد في إسرائيل منذ سنين، بل جيلا بعد جيل، تروي أن مدرسا دخل إلى كلية لتعليم السياسة في مدرسة في مدينة مينسك عاصمة روسيا البيضاء وأخرج من جيبه ورقة نقدية بقيمة 100 دولار.

وقال إن من يجيب على سؤاله إجابة صحيحة سيفوز بها، وكان السؤال: "من هو أهم شخصية في التاريخ؟".

فأجاب الأول: ألكسندر المكدوني. وأجاب ثان: هيلان كيلر، وأجاب ثالث: فرانك سيناترا. وكان الأستاذ يرد: "لا للأسف، ليس هذا الجواب".

بين الطلبة يوجد يهودي واحد يدعى يانكي، رفع إصبعه طالبا الإجابة، وقال: "السيد المسيح هو أهم شخصية في التاريخ"، ففرح المعلم وصاح: "أجل هذه هي الإجابة الصحيحة، برافو يانكي".

وبعد انتهاء الدرس، توجه الأستاذ إلى يانكي وهمس في أذنه: "اليوم أبليت بلاء حسنا. ولكن فسر لي، كيف ليهودي مثلك أن يعرف ويقول بثقة إن المسيح هو أهم شخصية؟". فأجاب يانكي: "أنا أعرف يا أستاذ أن النبي موسى هو أهم شخصية في التاريخ، ولكن، بزنس إز بزنس".

وهكذا هو الحال هنا أيضا، وليس لأن يانكي يهودي، بل هكذا هي السياسة، وبعيدا عن أحكام الطرفة وأهدافها، الموقف الإسرائيلي من الموضوع الإيراني هو "بزنس".

إنه عبارة عن لعبة مصالح، أكثر من أي شيء آخر، فيها مصالح داخلية وفيها مصالح خارجية، وهذه المصالح، كما دائما،تلتقي مع المصالح الأمريكية.

وعلى عكس ما يقال: إنها لا تختلف عنها خصوصا في الأمور الأساسية والجوهرية، وإذا كانت العلاقات بين البلدين ممتازة ومميزة في زمن الرئيس دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، فإنها أكثر امتيازا وتميزا في عهد الرئيس جو بايدن في واشنطن، والثنائي نفتالي بينيت ويائير لابيد في تل أبيب.

بايدن غير الموقف الأمريكي الذي عبر عنه ترامب، وبينيت ولابيد غيرا الموقف الإسرائيلي، بايدن يريد العودة إلى الاتفاق النووي.

وإسرائيل، التي لا تمانع في الوصول إلى اتفاق نووي جديد، لكنها تضيف بأنها لا تؤمن بأن اتفاقا كهذا سيحصل، وإن حصل فإنها لا تؤمن بأنه سيكون جيدا، وإذا كان جيدا فإنها واثقة من أن إيران لن تحترمه وسوف تخترقه وتلتف عليه، وفي كل الأحوال، ما تريده إسرائيل من مواقفها المعلنة، هو التأثير على أجواء التفاوض بين إيران والعالم.

وما يحصل الآن هو أن الولايات المتحدة تتيح لإسرائيل هذه الفرصة للتأثير، وهذا هو الأمر الأساسي.

صحيح أن إسرائيل قلقة، من أن تستغل إيران المفاوضات لكي تواصل مشروعها الاستراتيجي في التحول إلى "دولة على حافة النووي" ومن أنها "تحت كنف الانشغال الدولي في مكافحة المشروع النووي تواصل إيران تطوير الصواريخ البالستية وتعزيز مشروع الهيمنة الإقليمية والتموضع في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

ولكن هذا القلق يساور الأمريكيين أيضا، وهم يتيحون لإسرائيل أن تواصل تهديداتها، وإن بدا أي اختلاف في موقف البلدين فإن واشنطن لا تكف عن إظهار دعمها المطلق لها كحليف.

وما كان غائبا عن سياسة واشنطن في زمن أوباما، يظهر بقوة في الخطاب السياسي لإدارة بايدن، بالتلويح بسوط الخيار العسكري، وها هم قادة الجيش الأمريكي يتحدثون بوضوح عن هذا الخيار.

لذلك، فإن الموقف الإسرائيلي لا يختلف جوهريا عن الموقف الأمريكي، بل إن الموقفين يكملان بعضهما بعضا، وإن كان هناك مجال للقلق فإنه يكمن في الخطر بأن لا تفهم إيران الرسالة، وتحسب أن هناك شرخا تستطيع النفاذ منه لمواصلة مشاريعها وتجاهل التبعات، فتسير في مسار تعنت يجعلها ويجعلنا جميعا ندفع الثمن الباهظ للحروب، التي ينبغي تفاديها.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com