حلم تركي وواقع إسرائيلي
حلم تركي وواقع إسرائيليحلم تركي وواقع إسرائيلي

حلم تركي وواقع إسرائيلي

نظير مجلي

هناك قصة تركية للأطفال، ذات مغزى ملائم للحدث الذي وقع في الأسبوعين الأخيرين، وكاد يحدث أزمة دبلوماسية بين أنقرة وتل أبيب، لكنه تحول فجأة إلى أمل بتحسين العلاقات وإحداث انعطاف إيجابي. هكذا هي السياسة، قصة فرص، إما أن تستفيد منها وتربح أو أن تضيعها وتخسر.

كما هو معروف، اعتقلت السلطات التركية زوجين إسرائيليين كانا يتجولان في إسطنبول. هما في الأربعينيات من العمر. كل منهما وصل إلى الآخر بعد الانفصال من زواج فاشل. زوجان طازجان، طائران من الفرح، وفوق هذا، هما من أصول شرقية، مفتونان بتركيا، يحبان طعامها وحلوياتها وفنادقها ومرافقها السياحية والآثار اليهودية فيها.

التقط الزوجان مئات الصور وأرسلاها إلى أولادهما في تل أبيب. إحدى هذه الصور جعلت رحلتهما السياحية كابوسا، فعندما وصلا إلى برج التلفزيون التقطا صورة لمنزل الرئيس رجب طيب أردوغان ثم أوضحا أنهما لم يعرفا بأن هذه مخالفة أمنية، خصوصا وأن كثيرين غيرهما التقطوا صورا شبيهة، تم اعتقالهما، ووجهت إليهما تهمة التجسس والاعتداء على الأمن في تركيا.

ولكن، بعد تسعة أيام، أطلق سراحهما وعادا إلى إسرائيل بطائرة خاصة استأجرتها وزارة الخارجية.
قبل أن نصل إلى قصة الأطفال التركية، وعنوانها "رجل في أفريقيا"، لا بد من الإشارة إلى أن إطلاق سراح الزوجين تم بعد جهود دبلوماسية على أعلى المستويات، وترافقت مع إدارة غير عادية للأزمة من طرف حكومة نفتالي بينيت، الذي تدخل بشكل شخصي مع حكومة أنقرة، كما تدخل الرئيس الإسرائيلي، يتسحاق هيرتسوغ، الذي تكلم مع الرئيس أردوغان، وكرس وزير الخارجية، يائير لبيد، نشاط وزارته للقضية، ورئيس الموساد أيضا الذي اتصل مع نظيره التركي، وأصدر تعليماته للجميع بأن يديروا المعركة بهدوء، وتوجه إلى رئيس المعارضة، بنيامين نتنياهو، طالبا عدم مهاجمة السلطات التركية حتى لا يغضب أردوغان ويشدد موقفه... وبالتالي، انتهت القضية بإطلاق سراح الزوجين الإسرائيليين.

لدى عودتهما، أقيمت احتفالات كثيرة، لكن بينيت أصدر تعليمات لوزرائه ومستشاريه، بأن يجعلوها احتفالات إنسانية غير سياسية، ولم يسمح لنفسه ولا لأي مسؤول أن يشارك فيها. وقد صدم الإسرائيليون من ذلك، فقد اعتادوا على طريقة أخرى في معالجة أحداث كهذه في الماضي، خلال عهد نتنياهو، وقارنوا، بحق، بين تواضع احتفالات بينيت وبين تصرفات نتنياهو، عندما تم تحرير رجل أمن إسرائيلي تورط في قتل مواطن أردني في عمان، ففي حينه استقبل نتنياهو في مكتبه هذا "القاتل" وعانقه أمام كاميرا التلفزيون.

وعندما اعتقلت السلطات الروسية امرأة إسرائيلية عثر في حقيبتها على رصاصة، فقد جلبها نتنياهو بطائرته من موسكو، بعد تسعة شهور من اعتقالها.

وهذه المقارنات تصب في صالح بينيت، إذ يرون في تل أبيب أن هذا الأداء المميز بالتواضع والنجاعة، يعزز دور حكومته، التي تقوم على ائتلاف ضيق ومهدد بالسقوط في كل لحظة.

وهنا نستذكر القصة التركية.

"رجل تركي سافر للتجول في أفريقيا، دخل غابة فرأى أسدا يركض خلفه. خلال هروبه سريعا وجد أمامه مباشرة بئر ماء، فالتف بحبل ونزل مسرعا إلى البئر، وفي أثناء نزوله البئر، رأى بالأسفل أفعى كبيرة، ولاحظ أنها انتصبت واشرأبت تستعد لالتهامه، قال في نفسه، ماذا سأفعل؟ بالأعلى أسد وبالأسفل الأفعى، وفي هذه الأثناء رأى فأرتين، إحداهما بيضاء والأخرى سوداء، وبدأتا بقرض الحبل، وبينما المصائب من كل الجهات، فجأة، شعر الرجل بشيء مبلل على وجهه، نحلة تركت على وجهه قطرة عسل، وعندها بدأ بتذوق العسل، استيقظ، إذن، لم يكن هذا سوى حلم، يتوجه إلى الشيخ في مسجد الحارة، سائلا تفسيره للحلم؟ فيرد الشيخ بضحكة خفية قائلا: ألم تفهم؟ الأسد الراكض خلفك هو ملك الموت. البئر الموجود بداخله الأفعى هو قبرك. والحبل الذي التففت به هو حياتك. والفأرتان البيضاء والسوداء هما الليل والنهار، يقضمان عمرك فيمضي بسرعة. وإن قلت لي إذن ما هو العسل، فإنه لذة الحياة المؤقتة، التي تنسيك أن هناك بعد الموت حسابا".

ففي الحلبة السياسية الإسرائيلية يسود شعور بأن حكومة بينيت، كالحبل في القصة التركية، ومع أن هذه الحكومة تنقذ إسرائيل من حكم نتنياهو، الذي ينظر إليه كمن قاد "سياسة show" ووضع مصالحه الشخصية فوق كل الاعتبارات، وبدأ يحطم أركان الديمقراطية ويدوس سلطة القانون ويقوض مكانة القضاء ويزعزع هيبة الجيش، ومع ذلك فإن غالبية الجمهور غير مقتنعة بعد بأن بينيت يصلح رئيس حكومة.

فهل قدم الرئيس أردوغان العسل لرئيس الوزراء بينيت؟ وهل سيكون العسل ترياق حياة مؤقت؟ وبينيت، الذي يحدث تغييرات كبيرة في الأداء السياسي، لكنه يسير على طريق نتنياهو في الموضوع الفلسطيني، خصوصا تخليد الاحتلال وتوسيع التهويد والاستيطان، هل يدرك ما جاء في خاتمة القصة التركية فلا ينسى أن بعد الموت حسابا؟.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com