مخيم شعفاط

مخيم شعفاط

كمن يتألم لمقتل أي شخص، عربيا كان أو يهوديا أو سنغاليا أو هولنديا، لم أفرح للعملية التي نفذها شبان فلسطينيون من مخيم شعفاط في القدس وقتلت فيها جندية إسرائيلية مقاتلة وأصيب فيها اثنان آخران من قوات الاحتلال الإسرائيلي البشع.

عندما تُراق الدماء في عالمنا، نتذكر حالا أن تجار السلاح في العالم باعوا "بضائع" بما يزيد عن 100 مليار دولار في السنة الأخيرة..

هذه الأسلحة تُباع بالطبع لكي يتم استخدامها، وهؤلاء "الباعة" يعيشون من وراء هذه التجارة ولا يهدأ لهم بال إذا لم يتم استخدامها، وأصحاب القرارات السياسية هم في كثير من البلدان، يتصرفون كشركاء وفي بعض الأحيان كموظفين عند هؤلاء التجار ويلجؤون إلى الحروب لتجربة الأسلحة أو استخدامها.

وليس هذا فحسب، بل إننا نتوقع أن يأتي الرد الإسرائيلي على عملية شعفاط، بالثأر، بسلسلة عمليات قمع تتم فيها عملية عقاب جماعي، وقد باشرت قوات الاحتلال هذا العقاب، لكل أهل شعفاط، المخيم وبلدتي شعفاط وعناتا المجاورتين.

لكن الوقوف عن هذه النقطة لا يكفي. فعلينا أن نتساءل: ما الذي يجعل شابا فلسطينيا أو شبابا ينفذون عملية مغامرة كهذه؟ يأتون إلى حاجز عسكري وهم يعرفون سلفا أن هناك جنودا إسرائيليين كثيرين يرابطون فيه وهم مدججون بمختلف أسلحة القتل والقمع، ويطلقون الرصاص مباشرة وبتصويب دقيق.. هذا يعني أنهم يخاطرون بحيواتهم، حتى يصيبوا إسرائيليين. فلماذا يا ترى؟ هل هم غواة قتل؟

وشيء آخر مهم أن نعرفه، قبل الحكم على هذه العملية، لقد جاء الشباب من "مخيم شعفاط"، وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين الذين تم تشريدهم من وطنهم في زمن النكبة (1948) وبعضهم في زمن النكسة (1967)، قسم منهم هربوا مما سمعوه عن هول المجازر وقسم قام الجيش الإسرائيلي بطردهم بالقوة.. بلداتهم الأصلية هي القدس، بيت ثول، اللد، بئر معين، المالحة، الولجة، برقوسيا، يافا وغيرها. يبلغ عدد سكانه حوالي 22 ألف نسمة يعيشون على مساحة 294 دونما، وتعتبر العيشة فيه من أكثر المناطق ازدحاما في العالم ومن أسوأ ظروف يعيشها فلسطينيون في أماكن اللجوء والشتات.

منذ احتلال سنة 1967، يشاهدون كيف بنيت بجوارهم مستوطنتان كبيرتان، التلة الفرنسية (7 آلاف مستوطن يهودي) وبسغات زئيف (45 ألف مستوطن يهودي)، اللتان تتمتعان ببنى تحتية حديثة وشوارع رحبة ومدارس متطورة ونواد شبابية وأماكن ثقافية ومجمعات تجارية منظمة، والاحتلال يخطط لمشروع استيطاني جديد يلتهم أرضا معروفة باسم "E1"، الذي سيضم 7000 وحدة سكن جديدة للمستوطنين، والحكومة الإسرائيلية تضع هذه المنطقة ضمن مخططات تطوير وتعمير جبارة بعضها للسنوات الخمس القادمة وبعضها للسنوات الخمسين.

 وبالمقابل، يعيش سكان مخيم شعفاط، في ظروف مأساوية، لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مقومات الحياة الطبيعية: بطالة فاحشة وضياع للشباب وبنى تحتية محطمة وشوارع ضيقة وقاذورات متراكمة وبؤس لا يمكن إخفاؤه، والأهالي يفتقرون لأي أفق سلام، أو أي أمل في أن يتحسن وضعهم في المستقبل القريب أو البعيد.

والحاجز العسكري المجاور للمخيم، والذي وقعت العملية المسلحة في أحد أرصفته، كان منذ إقامته بمثابة مصنع للكراهية، فالفلسطيني يتعرض فيه للتنكيل والإهانة ودوس الكرامة والاعتقال، وفي كثير من الأحيان، لا يحتاج الفلسطيني ابن المخيم للقدوم للحاجز حتى يتلقى هذه المعاملة البشعة، بل يأتيه جنود الاحتلال إلى بيته، ويذيقونه الأمرّين هناك، على مرأى من الزوجة والأطفال المرعوبين، وبلا رحمة.

وفي السنة الأخيرة، تفاقمت أوضاع الناس هنا وازدادت سوءا وخطورة، فقد قامت حكومة جديدة في إسرائيل بقيادة نفتالي بنيت ويائير لبيد، والتي نقشت على علمها شعار التغيير، وقصدت تغيير حكم بنيامين نتنياهو، لكن التغيير بالنسبة لأهالي مخيم شعفاط وسائر الشعب الفلسطيني، كان للأسوأ، حتى من سياسة نتنياهو..

الاعتقالات تضاعفت (أكثر من 2000 معتقل)، وعدد الشهداء كان الأعلى منذ سبع سنوات (180 منذ بداية السنة) والقمع ازداد والأفق السياسي في انسداد، الاقتحامات للأقصى تزداد عددا ومضمونا، والاشتباكات صارت يومية وحتى المسيرات السلمية الأسبوعية يتم تفريقها بالقوة والبطش، والاستيطان يتسع والمستوطنون يقيمون ميليشيات مسلحة، وكأن جيش الاحتلال وقمعه لا يكفي.

فما هو المنتظر من الشباب الفلسطيني إزاء هذه الأوضاع؟ فلو كانوا ملائكة، لانفجروا غضبا.

والسؤال الذي يطرحه كل عاقل في هذه المنطقة: هل يمكن لدوامة القمع هذه أن تحقق شيئا سوى زيادة أرباح شركات بيع الأسلحة ووكلائهم السياسيين المنتفعين وزيادة الكراهية والأحقاد؟ هل يمكن أن تأتي بحل ما يحقن الدماء ويوقف العداء؟ وأي إرث يتركه هؤلاء القادة لبناء الأجيال الجديدة، الأبناء والأحفاد؟

والسؤال الأهم: متى يفهم هؤلاء أنه لا يوجد حل عسكري للصراع؟ وأنه لا يوجد سوى حل سياسي؟

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com