د. أحمد بن قاسم الغامدي
د. أحمد بن قاسم الغامدي

الصحيح في ركعات صلاة الكسوف

أخرج مسلم في صحيحه: من طريق حبيب عن طاووس عن ابن عباس: أن النبي رسول الله صلى في كسوف ثمان ركعات في أربع سجدات.

قلت: هذا حديث شاذ ضعيف الإسناد فحبيب كثير الإرسال والتدليس.

قال الألباني عن هذا الحديث: ضعيفٌ، وإن أخرجه مسلم ومن ذكر معه وغيرهم. فذكر تدليس حبيب وعدم سماعه ثم قال: وفيه علة أخرى وهي الشذوذ. فقد خَرّجتُ للحديثِ ثلاثَ طُرق أخرى عن ابن عباس، وفيها كلها: أربع ركعات وأربع سجدات. وفي هذه الطريق المعلة: ثماني ركعات. فهذا خطأٌ قطعا.

وقال البيهقي في سننه سنن الكبرى ما ملخصه: وأما البخاري فإنه أعرض عن هذه الروايات التي فيها خلاف رواية الجماعة. وقد روينا عن عطاء بن يسار وكثير بن عباس عن بن عباس عن النبي أنه صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان.

فحبيب بن أبي ثابت –وإن كان من الثقات– إلا أنه كان يدلس، ولم يذكر سماعه لهذا الحديث عن طاووس، فيَحتمِل أن يكون حمله عن غير موثوقٍ به، عن طاووس. وقد خالفه سليمان الأحول فوقفه. وقال ابن حبان في صحيحه عن هذا الحديث: ليس بصحيح، لأن حبيباً لم يسمع من طاووس هذا الخبر.

قلت: فهذا حديثٌ منقطع الإسناد، فإن حبيباً مدلّسٌ لم يسمع من طاووس.

وقد أخرجه مسلم في الشواهد في آخر الباب، فليس هذا دليلا على تصحيحه.

أثبتت الحسابات الفلكية الحديثة أنه لم يحدث خسوف مرئي أثناء حياة رسول الله بعد الهجرة إلا مرتين: الأولى في السنة الخامسة للهجرة، والثانية في السنة العاشرة.

أما تصحيح الترمذي له، فإن الترمذي معروف بالتساهل حتى نقل الذهبي عن جمهور العلماء: عدم الاعتماد على تصحيح الترمذي. وقد أنكر الحديثَ ابنُ عدي في الكامل.

وهذا الحديث مضطرب المتن والإسناد كذلك: بين الإرسال والوقف، كما بين ابن عبد البر في التمهيد، وقال عن الحديث: مضطرب ضعيف. رواه وكيع عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن طاووس عن النبي مرسَلاً. والثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عباس لم يذكر طاووساً. ووقفه ابن عيينة عن سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عباس من فعله ولم يرفعه. وهذا الاضطراب يوجب طرحه. والحديث شاذٌ منكر المتن كذلك. فإن الثابت عن ابن عباس أن صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات، وليس ثماني ركعات وقد صح هذا عن غير ابن عباس من الصحابة.

وقد أثبتت الحسابات الفلكية الحديثة أنه لم يحدث خسوف مرئي أثناء حياة رسول الله بعد الهجرة إلا مرتين: الأولى في السنة الخامسة للهجرة، والثانية في السنة العاشرة. وقد حدثت في يوم الاثنين الـ29 من شوال من السنة العاشرة للهجرة (الموافق الـ27 من كانون الثاني سنة 632م) قرابة الساعة العاشرة صباحاً.

وبتأمل طرق الحديث نجد أن التي في الصحيح تتحدث كلها عن الواقعة الثانية التي مات فيها إبراهيم بن محمد وهذا ذكره البيهقي في سننه الكبرى. ومعلومٌ أن إبراهيم لم يمت إلا مرة واحدة فلا يمكن أن تكون كل هذه الروايات المتعددة صحيحة كلها لأن التعارض بينها واضح جدا يدركه كل ذي فهم.

فأصح الروايات أن الرسول قد صلى ركعتين فقط: في كل ركعة ركوعين وسجدتين.

أخبار ذات صلة
ما هو كسوف الشمس وكيف يحدث؟

والحاصل هو أربع ركعات وأربع سجدات. فصلاة الخسوف، كل ركعة فيها ركوعان، لا ركوع واحد كما في باقي الصلوات.

وقد نقل الترمذي في العلل عن البخاري قوله: أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف: أربع ركعات في أربع سجدات.

قال ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: في حديثه عن الأحاديث الضعيفة في صحيح مسلم: ومثل ما روى مسلم أن النبي صلى الكسوف ثلاث ركعات وأربع ركعات. انفرد بذلك عن البخاري. فإن هذا ضعّفه حُذّاق أهل العلم. وقالوا إن النبي لم يصل الكسوف إلا مرةً واحدةً يوم مات ابنه إبراهيم. وفي نفس هذه الأحاديث التي فيها الصلاة بثلاث ركعات وأربع ركعات، أنه إنما صلى ذلك يوم مات إبراهيم. ومعلوم أن إبراهيم لم يمت مرتين، ولا كان له إبراهيمان وقد تواتر عنه أنه صلى الكسوف يومئذ ركوعين في كل ركعة، كما روى ذلك عنه عائشة وابن عباس وابن عمرو وغيرهم..

فلهذا لم يرو البخاري إلا هذه الأحاديث. وهذا حذف من مسلم. ولهذا ضعَّف الشافعي وغيره أحاديث الثلاثة والأربعة، ولم يستحبوا ذلك. وهذا أصح الروايتين عن أحمد. ورُوِيَ عنه أنه كان يجوّز ذلك قبل أن يتبين له ضعْف هذه الأحاديث.

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com