سوريا ... لاغالب ولا مغلوب
سوريا ... لاغالب ولا مغلوبسوريا ... لاغالب ولا مغلوب

سوريا ... لاغالب ولا مغلوب

التقدم العسكري الأخير الذي  حققه الجيش السوري وحلفاؤه في البادية والمناطق الشرقية، لايعني أن النظام بات  قادرًا على فرض شروطه في أي تسوية سياسية ممكنة للأزمة المستعصية ، أو أن المعارضة باتت خارج المعادلة السياسية الصعبة. فما تحقق في الميدان لا يعني بالضرورة أن الحل بات وشيكًا، أو أن التسوية في متناول اليد.

ما كان يقال من زمان، لا يزال صحيحًا حتى الآن.  فالحسم العسكري مستحيل وغير ممكن،  حتى لو تبدلت المعادلة العسكرية في الميدان ، وتغيرت الأحجام والأوزان على الأرض، ومآلات الأزمة حتى وهي في هزيعها الأخير، حددها الخارج الإقليمي والدولي، لا الداخل السوري.

صحيح أن الإنجازات الميدانية التي حققها النظام، حسنت من مركزه التفاوضي، وأعادت له شيئا من هيبته المفقودة، إلا أن ذلك ليس كافيًا، لا لتحقيق انتصار عسكري شامل، ولا حتى لفرض حل سياسي  كامل.

بالمقابل فإن خسارة المعارضة لأكثر من موقع، وتراجعها في أكثر من مكان، لايعني أنها أصبحت على هامش الأزمة، أو أنها غير قادرة على التأثير في مسارها.

فبموازاة حالة التراجع، والارتباك التي تعيشها الفصائل المسلحة في الميدان، هناك أكثر من عامل يعرقل أو يقلص فرص النظام في قطف الثمار السياسية لتقدمه على الأرض.

فالمناطق المتبقية تحت سيطرة المعارضة، أو تلك المعروفة بمناطق خفض التوتر المتناثرة على امتداد الجغرافيا السورية، ستمنع النظام السوري وحلفاءه من التمادي في توسيع عملياته العسكرية، أو المغالاة في فرض الشروط عند الوصول إلى حلبة المفاوضات.

والمناطق المشار إليها، حتى لو بدت ضعيفة عسكريًا، وهشة هيكليًا، فإن لديها ما يجعلها قوية سياسيا، لا بحجمها الجغرافي ولا بعدتها وعديدها، بل بالغطاء الذي يتوفر لها ، فهي أساسًا ليست إنجازًا من إنجازات المعارضة ، بقدر ما كانت ثمرة  من ثمار التوافق الإقليمي أو الدولي.

وبالتالي فإن بقاء هذه المناطق، وتوفير مظلة حماية لها، واستمرار وجودها كجزء من المعادلة السياسية والعسكرية في سوريا، ليس وليد قوتها العسكرية الذاتية، بقدر ما هو محكوم  باستمرار، وبقاء  التوافق الذي أنتجها. ومن هنا يمكن فهم التوافق السعودي الروسي، والروسي الأمريكي على زيادة وتوسيع نطاق مناطق خفض التوتر، والتي لا يعني وجودها توفير الهدوء ،الذي يسمح ببدء المفاوضات بين أطراف الأزمة فحسب ، بل يعني كذلك إعطاء ضمانات، بأن للاتفاقات العسكرية في الميدان، نتائج في كواليس التفاوض السياسي.

 الوضع الميداني ليس الوجه الوحيد للأزمة، بل هو فقط الجزء الظاهر منها، فالصراع بعد كل هذه السنوات تحول من مواجهة بين النظام والمعارضة، إلى صراع إقليمي ودولي تنخرط فيه قوى عديدة، تتحكم بخيوطه، وتوجه دفته عن بعد، ووفق حسابات ليس فيها أي اعتبار للأطراف السورية، إلا بالقدر الذي تخدم فيه هذه الأطراف الأجندات الخارجية. ولذلك فإن ما حققته معارك دير الزور والرقة لم يغير الرؤية الأساسية للأطراف الإقليمية والدولية ، خاصة وأن داعش لم تكن ضمن  حسابات الحل الذي تسعى له القوى الخارجية.

شكل المواجهة سيتغير، حيث ينتظر أن تزداد وتيرة ونطاق المواجهة السياسية بين مختلف أطراف الأزمة الداخليين والخارجيين، فيما ينتظر أن تتراجع المواجهة العسكرية إلى الحدود المسموح بها إقليميا ودوليا، أو ضمن معادلة تقاسم النفوذ، والتوافق بين مختلف أفرقاء الأزمة.

المواجهات العسكرية فيما بعد دير الزور والرقة، ستأخذ شكل صدامات محدودة هدفها تصفية بعض الجيوب الباقية من تنظيمي داعش والنصرة المصنفين كتنظيمين إرهابيين. أو شكل صراعات بين قوى المعارضة نفسها لاقتسام النفوذ، أوبهدف  الحصول على شرعية التمثيل في المفاوضات.

ما قد ينتج في نهاية المطاف لن يغير  قواعد اللعبة، ولا  معادلة الأزمة المعروفة منذ اندلاعها قبل ست سنوات، وهي أن لا حل عسكريا للصراع ، ولا غالب فيه ولا مغلوب، إلا بالحدود التي يتوافق عليها اللاعبون الكبار في الإقليم أو خارجه.

من تبقى من قوى المعارضة السورية لن يكون أكثر من ورقة مساومة بيد القوى الخارجية تصفي من خلالها حساباتها القديمة وتقايض بها قضاياها المعلقة، والنظام من جانبه لن يحقق الحسم العسكري اللازم الذي يكفل له قطف الثمرة السياسية التي طالما سعى إليها وهي الانفراد بالسلطة والهروب من استحقاقات ما تم التوافق عليه في الاجتماعات الدولية في جنيف واستانا، وسيجد نفسه في النهاية مجبرًا على القبول بأن يكون شريكًا في السلطة،  لا الوحيد الممسك  بدفتها.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com