مصر لا تهضم الطبخ اللبناني
تاج الدين عبد الحقيحلو للبعض ، استحضار الحل اللبناني المعروف ، لا غالب ولا مغلوب ، كوصفة لحل الازمة الحالية في مصر . وعلى الرغم مما تحمله هذه الوصفة من نوايا طيبة ، إلا انها تشبه الحل القضائي المصري المشهور في القضايا المستعصية ، وهو إبقاء الوضع على ما هو عليه لحين الفصل في النزاع ، بمعنى أن ما يظنه الناس حلا ، هو نوع من المسكن، إن لم نقل المخدر الذي لا يعالج الداء، ولا يجتث أساسه، بل وصفة للتعايش مع المرض مهما طال ، والتسليم به كأمر واقع مهما كان مؤلما . ولبنان الذي اخترع هذا المصطلح السياسي، خير مثال على ذلك ، فهو يعيش منذ الاستقلال وإلى اليوم ، في ظل حالة اللاغالب واللامغلوب ، تحت رحمة أزمات دائمة ، وحروب مؤجلة ، تخبو حينا، وتشتعل أحيانا . ويبدو أن الوضع في مصر بالرغم مما فيه من نذر سوداء ، ومخاطر جسيمة ، لا يستسيغ الطبخة اللبنانية ، ولا يحتمل معالجات استرضائية تعطي لهذا، وتأخذ من ذاك ، كما أنه لا يحتمل ربط مستقبل الوطن بكل تعقيداته ، وهمومه، بأجندات ومطامع سياسية، لفئات لا هم لها ، إلا الحفاظ على مكاسبها ، ومواقعها، دون الالتفات إلى الثمن الباهظ الذي يدفعه المصري ، من قوته، وأمنه، واستقراره . الأخوان المسلمون الذين لم يؤمنوا يوما بالديمقراطية، والذين طالما كفَروا كل من نادى بها، بإعتبارها بدعة وضلاله وافدة ودخليه على صحيح الدين ، يملأون الدنيا اليوم ضجيجا ، والشوارع دماءً، بذريعة الدفاع عما يصفونه بالشرعية ، لإنهم يعلمون أن نجاحهم في استعادة سلطتهم المفقودة ، ستعطيهم شعورا بالانتصار ، وستمنحهم تفويضا للمضي بشكل أشد مضاضة في مشروع الأخونة، و فرض الهيمنة، لا على المراكز السيادية ، بل على جميع مفاصل الحياة، وعلى عناصر القوة في كافة مؤسسات الدولة . إن تنفيذ خارطة الطريق السياسية التي توافقت عليها القوى السياسية والإجتماعية والفكرية المصرية، هي الإطار الوحيد المقبول، لمعالجة الوضع الخطير الذي تعيشه مصر حاليا ، وأي تراجع عن هذه الخريطة، يعني الرضوخ للارهاب، الذي يحاول تعطيل الحياة السياسية، والاقتصادية المصرية، بذريعة الدفاع عن الديمقراطية، والصندوق الانتخابي . فالواضح أن الأخوان المسلمون يدركون اليوم أن التاريخ يتغير، وأن خطابهم السياسي والديني لم يعد قابلا للتسويق ، وانهم لا يملكون فرصة استعادة موقعهم في هذا التاريخ ، إلا باسترجاع ما يعتبرونه حقا شرعيا لهم . فهم يعلمون بعد التجربة التي عاشتها مصر في ظل حكمهم وبادواتهم ورموزهم ، بأنه ليس لديهم أي فرصة في أي انتخابات تشريعية ورئاسية جديدة ، وأن ما حصلوا عليه من نتائج في الانتخابات التي اعقبت ثورة 25 يناير، هو صدفة تاريخية لن تتكرر ، وبالتالي فإن دفاعهم المستميت لاستعادة السلطة هو معركة وجود بالنسبة لهم ، وهم لن يقبلوا بأي حل وسط يمكن أن يدخلهم في مرحلة إختبار جديدة يعلمون أنهم غير قادرين على إجتيازها ، إلا إذا كانت لديهم القدرة على تشكيل نتائجها، والتأثير في مسارها . إن خارطة الطريق السياسية التي ،توفر فرصة المشاركة السياسية للجميع ، دون إقصاء أو تهميش تعطي الفرصة لإعادة تشكيل الحياة السياسية المصرية على اسس تتفق مع مكانة مصر ودورها التاريخي وموقعها الجغرافي ، وهو دور لا يمكن أن يكون رهينة مشروع فئوي ضيق، أو نظرة فكرية محدودة، او مطامح سياسية معروفة .