صيف لبنان الساخن
صيف لبنان الساخنصيف لبنان الساخن

صيف لبنان الساخن

صيف لبنان؛ صيف ساخن. ساخن بالمعنى اللفظي، وبالمعاني السياسية والأمنية والاقتصادية أيضا. والنجاح الذي حققته الانتخابات البلدية، وظنه البعض مقدمة للوفاء بالاستحقاقات المؤجلة بدءا من الشغور الرئاسي والانتخابات النيابية، وقانون الانتخاب، خلق ارتدادات ومواقف لا بين الفرقاء التقليديين، بل بين الحلفاء.

فرغم الطابع المحلي للانتخابات البلدية، إلا أنها ساهمت، في خلط الأوراق، وتعقيد  المشهد السياسي بشكل يزيد من غموض الخريطة الجديدة لتحالفات القوى اللبنانية المختلفة، وكذلك تحالفات هذه القوى مع الأطراف الخارجية.

ولم يكن نجاح القائمة البلدية، التي دعمها اللواء اشرف ريفي في طرابلس، على حساب حليفة التاريخي تيار المستقبل، وعلى حساب القوى السنية الأخرى في المدينة، إلا واحدا من مؤشرات عديدة تتوالى في الساحة اللبنانية، وكلها تشير إلى أن لبنان يمر بحالة من السيولة السياسية التي يصعب معها التنبؤ بما يحمله قادم الأيام.

فقبل نجاح ريفي كان هناك اتفاق المعراب بين الخصميين االطامحين للرئاسة، رئيس التيار الوطني الحر  الجنرال ميشال عون، وزعيم القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع.

وقبلها كان الاتفاق المفاجأة بين زعيم تيار المستقبل سعد الحريري وبين سليمان فرنجية، الصديق الصدوق للرئيس السوري بشار الأسد.

وبين هذا التباعد، وذاك التقارب، كانت هناك تفاهمات أوصلت حلفاء لمرحلة الصدام، وكانت هناك مبادرات ومفاجآت أدخلت أصدقاء دائرة الخصام.

الواضح أن القوى السياسة اللبنانية، التي كانت في العادة تتحرك على وقع ما يجري في عواصم الإقليم وعلى أساس ما يدور في الجار القريب أو ما يصل إليها من الحليف البعيد، لم تعد قادرة على فهم إشارات الخارج، بعد أن أصبحت تلك الإشارات تتبدل بتبدل الوقائع اليومية، وليس كما كانت في السابق على شكل وصفات معلبة تكتسب، من فرط التمسك بها، طابع القداسة والديمومة.

وباستثناء حزب الله، الذي لا زال ينسج تحالفاته الداخلية على وقع دوره العسكري، وارتباطاته الخارجية، والتي جعلته ينفرد بقيادة وتوجيه المكون الشيعي، فإن التغيير يكاد يطال كل المفاصل السياسية اللبنانية، بدءا من المكون الماروني الذي لم يحسم أمره لاختيار مرشح رئاسي مقبول، ومرورا بالمكون السني الذي أصابه شرخ كبير منذ إغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبعد أن فشل في الاتفاق على مرشح يملأ الفراغ الذي تركه الرئيس الشهيد.

الخلافات داخل المكونات السياسية اللبنانية هي صدى للخلافات الخارجية وتعبير من تعبيراتها. وكانت القوى الخارجية قادرة على ضمان الحلول داخل الطوائف اللبنانية المختلفة، لكن مع نشوب الخلافات بين تلك القوى ووصولها إلى حاله إحتراب شديدة من الإنفصام والتباعد في المواقف، بدأت الأطراف الداخلية تبحث عن تحالفات أخرى خارج الأطر التقليدية، وبدأت الأطراف الخارجية تبحث عن بدائل داخلية جديدة لضمان استمرار تأثيرها وسطوتها.

دخول شخصيات سياسية جديدة على خط الزعامة الطائفية، يمكن أن يؤشر إلى تغير في المزاج الخارجي أو يعني تغيرا في توازنات القوى الداخلية. ولذلك فإن هناك من وجد في نجاح اللواء اشرف ريفي في الانتخابات البلدية، ردة فعل على التفاهم المفاجيء بين الحريري ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو التفاهم الذي لم يكن على مقاس الشارع السني الذي رأى فيه تراجعا أمام الرئيس السوري بشار الأسد، وتمكينه من العودة لاعبا في الساحة السياسية اللبنانية، ولا على هوى الحليف السعودي الذي لا يزال يراهن على استئصال التأثير السوري، ومحاصرة الدور الإيراني في لبنان.

ولعل تصريحات وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق، التي فاجأت الأوساط السياسية اللبنانية والعربية بسبب ما أحتوته من انتقادات لزعيم تيار المستقبل سعد الحريري، تعطي إضاءة واضحة على أن هناك خلطا في الأوراق، وأن الشارع السني اللبناني، الذي كان في العادة بعيدا عن السجالات وعاملا جامعا، قد يصبح هو بؤرة من بؤر الخلاف، بل قد يكون هو، لا الخلافات داخل المكون الماروني، سببا في سخونة الشارع السياسي اللبناني هذا الصيف.

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com