باطل الأباطيل وقبض الريح
باطل الأباطيل وقبض الريحباطل الأباطيل وقبض الريح

باطل الأباطيل وقبض الريح

يوسف ضمرة

هذه طبيعة الحروب والأزمات؛ ما إن ترى كوّة في جدار صلب، وتهيئ نفسك لالتقاط شعاع طائش، حتى يتبدد كل شيء، ويبدو أشبه ما يكون بالكابوس.

هل نصل إلى جنيف الرابع عشر تيمنا بلويس سيء الذكر؟

هنالك مئات آلاف الضحايا في سوريا، وهنالك أطفال ونساء يموتون، وآخرون ينامون في الصقيع وتحت الجحيم. وهنالك جروح غائرة في النفوس تتطلب ربما أجيالا لكي تمّحي وتذوب. فلماذا يتعامل الكون مع السوريين بهذه الوقاحة؟ سؤال كنا نسأله عن فلسطين ولا نزال إلى اليوم، بينما مجمعات الصناعات الحربية والشركات العابرة للجنس والقومية والطبقة والهوية كلها مهتمة بأمر واحد فقط؛ ما هي حصتها من هذا كله؟

بات واضحا تماما أن هنالك تقاسما وظيفيا بين الدولتين الكبريين في العالم"روسيا وأمريكا". وبات واضحا أكثر أن الأزمة السورية لن تحل إلا باتفاق بين هذين القطبين، وما عدا ذلك يمكن القول إنه قبض الريح وباطل الأباطيل.

بالطبع هنالك أكثر من سيناريو لحل الأزمة، ولكن كل قطب يفتش عن السيناريو الأكثر نفعا له ولمستقبله. فخيار التقسيم وارد في هذه السيناريوهات، ولكن له تبعات قد تشكل عائقا أمامه، أو على الأقل عقدة ما، أو عصا في الدولاب. فالتقسيم يرخي قبضة الدولة المركزية، ويجعل من الشمال السوري منطقة حرب جديدة مع تركيا، تضاف إلى جنوب شرق تركيا حيث خمسة عشر ألف مواطن كردي، ناهيك عن عدم الطمأنينة تجاه إقليم كردستان، على الرغم من الرضا والمودة في الوقت الراهن. فلا أحد يستطيع إقناع كردي واحد بمحبة تركيا التي تقتل أبناء جنسه منذ 40 سنة. والكل يدرك أن الحياة مليئة بالمتغيرات، وتركيا تدركه أيضا. وبالتالي فإن خيار التقسيم قد يكون معقدا لأن أمريكا لن تتفرغ لحل مشكلة تركيا مع الأكراد إلى الأبد، وهنالك في شرق آسيا جمر مشتعل تحت الرماد، وصراعات معلنة لا خفية بين عمالقة الكون. بل يمكن القول إن حربا كونية ثالثة ـ إنْ قُدّر لها أن تحدث يوما ما ـ سوف تنطلق من أقصى الشرق هذه المرة، لتنسينا البلقان، تلك المنطقة التي كان السياسيون يجمعون على أن أي حرب كونية ستكون البلقان بؤرتها.

والتقسيم سوف يضم مناطق سنية إلى الأردن، ويشكل جدار فصل مذهبيا بين إيران ولبنان، وهذه عقبة أخرى أو عصا غليظة في الدولاب هذه المرة، حيث لن تقبل إيران ذلك بأي حال من الأحوال.

روسيا مطمئنة لمنطقة الساحل، وأمريكا وحلفاؤها يجابهونها بكيان سني واسع ومدعوم وغني بالثروة النفطية. وعليه فإن مقولة حلفاء أمريكا هم الذين سيملؤون الفراغ ليست صحيحة تماما. بمعنى أن أمريكا نفسها تريد أن تكون موجودة في سوريا أو على أطرافها في الحد الأدنى. وليس ثمة بقعة ملائمة أكثر من شرق سوريا. فإذا كانت هنالك قاعدة بحرية روسية في طرطوس، وقاعدة جوية في اللاذقية لروسيا، فلماذا لا تكون هنالك قاعدة أمريكية برية وجوية في الشرق؟

الاستشراس الروسي في الدفاع عن سوريا، تكمن خلفه عوامل عدة. ولكن سيطرة أمريكا على شرق سوريا إضافة لنفوذها القوي في العراق، وسيطرتها المطلقة على إقليم كردستان، يسمح مستقبلا بنقل الغاز القطري إلى أوروبا. وهو ما يعني أن الغاز الروسي سيصبح أقل أهمية بالطبع. ناهيك عن احتياط الغاز في السواحل السورية، والذي قررت سوريا منح روسيا حق استخراجه. فما العمل؟

يراهن الجيش السوري على الإنجازات الميدانية الأخيرة التي حققها بعد تدخل الطيران الروسي. ولكن هذا الرهان يصطدم دائما بتهديدات علنية قاسية، قد تتحول إلى فعل حقيقي إن رأى الأمريكان ذلك فلا أحد يشك لحظة واحدة أن تركيا أو السعودية أو غيرهما قادر على التدخل العسكري في سوريا من دون إذن أمريكي. فالغاز الإيراني"الثاني عالميا" والروسي"الأول عالميا" والشراكة بينهما وبين دول البريكس، هذا كله يعني تعميقا للأزمة الرأسمالية التي لم تزل تتفاقم حتى اليوم، بل وتؤكد المؤشرات أنها إلى مزيد من التعقيد لا الحل.

لقد تورط الجميع؛ أعني الدول الكبرى التي لا تتقبل الخسارة والهزيمة، ولا بد من مخرج سياسي سحري، أو حزم عسكري سوري، يفوت الفرصة على أي فكرة قد تفجر البركان الرابض"على غش"

ولكن الخلاصة هذه المرة ستكون مختلفة؛ فكم مدينة أوروبية تحتاج هذه الأطراف كلها لزيارتها والتمتع بجمالها، قبل أن نصحوا على شعاع حقيقي لا كابوسي، ونملأ رئاتنا بهواء دمشق؟

هذا المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة إرم نيوز

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com