أجندة محمد بن راشد
أجندة محمد بن راشدأجندة محمد بن راشد

أجندة محمد بن راشد

خليل بن غريب

من يتابع أحداث اليوم في مختلف قارات الأرض يجد أن المنطقة العربية والإسلامية هي أكثر المناطق والبلدان المشتعلة خلافاتها وتعاني عدم الاستقرار في مناحٍ مختلفة، خصوصاً الاقتصاد والاجتماع والسياسة، وما لم تبن هذه الثلاث على أسس صحيحة من الإدارة الواعية سيظل التخبط والتراجع والفوضى والتدهور سيد المواقف دائماً، وللإنصاف فإن نماذج أخرى محدودة في المنطقة نفسها ستبقى نبراساً للمبصرين على الدوام.

«المنطقة ليست على أجندتي.. إنها أجندتي» كان العنوان للقاء تاريخي لمجلة نيوزويك العالمية قبل أيام مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والذي أقل ما يقال عنه ودون مجاملات إنها الوصفة الكاملة لاستقرار المنطقة والعالم. وما قاله الشيخ محمد بن راشد كان واضحاً، صريحاً، يضع اليد على مكامن الخلل، ويسبر غور الحقائق، ويستخرج درر العلاج الناجع.

الشيخ محمد بن راشد الذي يضع المنطقة كلها أجندة عمله الرئيسة، أوجد مجموعة واسعة من المبادرات التي تجاوزت دبي والإمارات لتكون دليلاً إضافياً وعملياً على تحديد الأجندة والأولويات لإدراك القائد أن أية تأثيرات محيطة بالإمارات لها انعكاسات مباشرة عليها، وأنه كلما استقر المحيط وتجاوز العقبات وازدهر ستثمر المنطقة حضارة متجددة طال انتظارها.

إن أبرز ما أطلعنا عليه الشيخ محمد بن راشد من خلال تجربته العملية فيما يتعلق بعوامل ضعف الدول العربية وانهيار بعض أنظمتها يتمثل في «الخطاب الطائفي الإقصائي بدءاً من العراق بعد الغزو، وما تبع ذلك من رد فعل تكفيري إرهابي»، ولم يأت يوم في التاريخ كله أسوأ من استثارة النعرات الطائفية الممزوجة بالإقصائية المقيتة التي تؤسس مشاعر العنصرية التي تنحرف بالأمم إلى الانتحار والاندثار، وما تشهده ساحات عدة اليوم نتيجة ذلك التأجيج إلا دليل يؤكد ما رمى إليه صاحب البصيرة، فهل من مستوعب للدرس يعيد رسم المشهد ويقوم بتركيبها لتعود على مسار التنمية المتكاملة التي ينشدها الشيخ محمد لأمته؟

يذهب الشيخ محمد بن راشد أبعد من ذلك حين يحلّل الوقائع التي حدثت، ويخبر بنتائجها التي وضعها أمام أصحاب الشأن آنذاك.. ها هو يجلس مع صدام حسين – رحمه الله – قبل الغزو ويتحدث معه الساعات الطوال محاولاً إيقاف عواقب كارثية قادمة نتيجة كما قال للقراءة الخاطئة للوقائع لدى الرئيس العراقي حينها، إضافة إلى «المحيط المجامل وسماع النفس فقط التي اعتبرها أحد أخطاء القادة العرب»، وهذه الصراحة هي التي تضع الأمور في نصابها والوضوح الذي لا لبس فيه هو ما يوصل إلى البناء والرخاء.

يقودنا تحليل الشيخ محمد إلى أن « أحد أهم الأخطاء التي يقع فيها بعض القادة، هو ألا يكون عندهم التواضع الكافي للاستماع لرأي صديق، أو متخصص، أو عالم، أو غيرهم» حين تحدث عن لقائه مع الراحل معمر القذافي، إن إيجاد البيئة التي تصنع التغيير تبدأ من رأس الهرم وقائد الدولة، لذلك وفي سعي دبي ودولة الإمارات للتأثير إيجاباً في مسارات دول مثل ليبيا لم تكتب لها النجاحات المأمولة كونها تتحرك ضمن «علاقات ومحسوبيات وفساد، ونحن لا نستطيع العمل في هذه الأجواء».

ويستشهد الشيخ محمد بأمثلة ساطعة من التاريخ حين يستذكر بغداد التي أوجد فيها العباسيون بيت الحكمة المشهور الذي بلغ ذروته في عهد المأمون عام 833 للميلاد، وهو يرعى العلم والعلماء والفنون بل تجاوز هذا البيت في أدواره حيث تحول من خزانة للحكمة كما أرادها هارون الرشيد أثناء التأسيس ليكون مسرحاً متكاملاً للحوار بين الحضارات والأفكار وتبادل المعرفة، حين أيقن ذلك الخليفة أن بناء الحضارات وبقائها مرتهن بالإفادة من تنوع الثقافات والفنون وتعدد الأفكار، لأن «الأمم والشعوب المنفتحة المتسامحة تستطيع النهوض والتطور أكثر من غيرها».

ويوجز الشيخ محمد بن راشد أن جامعات ومعاهد الثقافة والتنوع الفكري والديني هي التي امتزجت بالبناء الحضاري المشهود في الأندلس، إلى أن يصل لتاريخنا اليوم «حيث تقود الولايات المتحدة بقية دول العالم في أغلب المجالات، والسبب انفتاحها واستقطابها أفضل العقول من أنحاء العالم كافة، والاستفادة منها جميعاً في بناء أعظم قوة اقتصادية وعسكرية في العالم».

وبصراحته المعهودة يفاجئنا الشيخ محمد ليقول: «ولن ترحمنا الأجيال العربية القادمة إذا لم نصنع لها أملاً ولم نهيئ لها مستقبلاً».

إنها الحقيقة التي توقظ النائم، وتنبه الغافل، وتزرع الحلم الذي تحتاجه الأمة اليوم، ولم يتركنا دون صناعة الأمل والنجاح ووضع العلاج لمن لبس لبوس الإرادة، وسل سيف الإدارة عبر جملة من الضروريات العملية منها: الواقعية السياسية التي تحتم قراءة دقيقة للتفاصيل بحثاً عن الفرص الكامنة مع الحرص على الجودة، التي طبقتها دولة الإمارات حين أوضح قائلاً: «وحتى نشجع الجميع على الاستثمار بكل حرية في دبي ووسط أجواء من العدالة وتكافؤ الفرص» تم إطلاق طيران الإمارات لتنافس نظيراتها دون احتكار لتعزيز روح المنافسة بلوغاً للجودة التي تعطي الأفضلية والتتويج، وقد تربعت موقع الصدارة نتيجة عمل احترافي مستحق.

وفي اشارة قيادية الى وظيفة الحاكم والحكومات يقول "الحكومات وظيفتها الأساسية هي بناء البيئة الصالحة وليس التحكم في هذه البيئة، وفيها لا بد للحكومات أن تركز على تمكين شعوبها، وليس التمكن من شعوبها".

ولا يتأتى ذلك إلا بإعطاء المزيد من مساحات الحركة للجميع وخلق أراض صالحة تستثمر فيها المشروعات العملاقة والطموحة، ولذلك أطلقت دولة الإمارات العربية المتحدة مشروع «مسبار الأمل»، والذي يصفه الشيخ محمد قائلاً: إننا «لا ننظر إلى المشروع على أنه مشروع إماراتي، بل هو مشروع عربي

. نحن كمنطقة وكأمة بحاجة إلى مشاريع من هذا النوع، لنثبت للعالم أننا نحن العرب قادرون على استئناف الحضارة، وقادرون أن نسهم في تطور المعرفة البشرية، وقادرون على منافسة العالم في الوصول إلى المريخ، وكل ذلك بأيدي مهندسين عرب إماراتيين يتحدثون ويلبسون ويعيشون كما يعيش بقية الشباب العربي، وهذه نقطة مهمة جداً في استعادة ثقتنا الحضارية بأنفسنا».

ويكشف قبل الختام سر التفوق في مشاريع الإمارات، فيقول إنه يكمن في إيمانها بالابتكار باعتباره قاطرة المشاريع الحضارية والتنموية، معتبراً أن «الأمم والشعوب التي لا تبتكر تموت وتذبل وتخرج من سباق التطور الحضاري»، لذلك أقدمت الدولة التي يعتبرها مثالاً وكتاباً مفتوحاً للجميع وتجربة ناجحة لمن أراد الاستفادة، مضيفاً أن الدولة وضعت «استراتيجية وطنية للابتكار في الفضاء، وفي الطاقة المتجددة، والتعليم والصحة».

لتسير ضمن جسد التنمية الشاملة، دون أن يغفل الجانب الأبرز في أجندته وهو أن القيم الإنسانية والوقوف إلى جانب الإنسان دون النظر إلى المعتقد والدين والجنس أو العرق هو الأساس الراسخ لأنه وحسب قاموس محمد بن راشد آل مكتوم «أن من يدير ظهره لآلام أخيه الإنسان، لا يستحق شرف الانتماء إلى البشر".

الأكثر قراءة

No stories found.


logo
إرم نيوز
www.eremnews.com